إن من أبرز سمات العمل السياسي، هي أن يضع السياسي بعين الاعتبار، احتمالات كبيرة للمغامرة السياسية التي قد تصل لدرجة المخاطرة بحياته و حياة أسرته، من أجل تحقيق هدف سياسي، قد يتعارض مع مصالح و سياسات المنافسين و الأعداء.

وعند الحديث عن العمل السياسي ، خاصة في العالم العربي ، دائما ما يتم ترديد بعض المصطلحات السلبية ، التي تثبط من عزيمة الشباب العربي لممارسة السياسة بشكل إيجابي من أجل إحداث إصلاح سياسي ، كأن يقال لهم على سبيل المثال ، بأن السياسة لعبة قذرة ، و أن السياسة خطيرة و تعرضهم لخطر الملاحقة الأمنية ، بسبب تمسكهم بمبادئهم السياسية التي قد تتعارض مع مصالح بعض المعارضين و الحكام و الدول.

لكن في هذا المقال ، سأعرض قواعد سلوكية سياسية ، توضح كيفية المشاركة بالأنشطة السياسية بنجاح ، و دون التعرض لأي خطر، خاصة في ظل وجود بعض الأنظمة السياسية الشمولية و الغير ديمقراطية في بعض دول العالم ، التي قد تهدد حياة الناشط السياسي إذا اعترض على سياستها الداخلية أو الخارجية.

لذلك ليس بالضرورة ، أن كل من يمارس العمل السياسي يجب أن يغامر بحياته، و أن يتعرض للأذى سواء من المنافسين و الأعداء، حيث أنه في حال اتبع الناشطون السياسيون بعض القواعد السياسية التي يمكنها أن تضبط سلوكهم السياسي ، قد يستطيعوا أن يحموا أنفسهم من الخطر.

لذا أسرد إليكم هنا، أهم هذه القواعد التي قد تجعل أي شخص سياسي، ناجحا و أمنا بنفس الوقت:

احصل على درجة علمية مرموقة

حتى تكون سياسيا ناجحا ، وتنال احترام وتقدير الجمهور ، لابد من أن تكون أولاً ، حاصلا على شهادة أكاديمية معترف بها، تدل على أنك شخص متعلم و مثقف ، مما سيشعرك ذلك بمزيد من الثقة بالنفس أثناء تعاملك مع أشخاص من خلفيات علمية متنوعة، و ستمنحك الشهادة الأكاديمية مزيد من المصداقية عند مناقشتك مواضيع اجتماعية و سياسية ، و ستدعم خطابك السياسي، بحيث تتناسب مفرداته مع فئات متنوعة من الجمهور، دون التعرض لحرج الأخطاء اللغوية، فالعلم ضروري جدا لدعم موقف السياسي ، خاصة أن المجتمعات العربية تحترم أصحاب الألقاب العلمية و من يمتلك الشهادات الأكاديمية الرفيعة.

اعرف قوانين بلادك جيدا و احترمها

حتى لا تقع في مشاكل قانونية، و يتم توريطك بقضايا غير قانونية قد تؤدي بك إلي السجن، مما سيشوه سجلك السياسي ، يجب عليك أن تعرف قوانين بلادك جيدا ، لكي يكون نشاطك السياسي قانونيا ، و لا يسبب لك أية متاعب قانونية ، لذا حاول أن تراعي أثناء خطابك السياسي الاعتبارات القانونية ، فلا تتورط في أنشطة سياسية تثير الفتنة المجتمعية و تؤدي إلي فلتان أمني ، و لا تتبع أسلوب الذم و القدح للشخصيات العامة أو الاعتبارية ، و لا تناصر قضايا شائكة و غير قانونية تتعلق بتهم فساد أو جرائم جنائية.

احترم عادات و تقاليد مجتمعك

يجب عليك كسياسي أن تحترم عادات وتقاليد المجتمع الذي تعيش فيه ، فمهما كانت خلفيتك الثقافية و المجتمعية ، ومهما تعارضت أفكارك الشخصية مع عادات و تقاليد مجتمعك ، لابد من مراعاة الثقافة المحلية، عندما تبدأ بالترويج لأفكار جديدة بغرض الإصلاح المجتمعي و السياسي ، و ذلك حتى لا يتهمك البعض بالفوقية و الغرور، و يتهموك أيضاً بأنك من مروجي الثقافة الأجنبية و الأجندات الخفية التي تهدف للقضاء على العادات المحلية الأصيلة.

حاول أن تكون مستقل ماليا حتى لا يتم شراءك

حتى لا يتم شراء صوتك السياسي، و استغلال نشاطك السياسي لدعم أجندات سياسية داخلية أو خارجية قد تخالف قناعتك الوطنية ، و حتى تحافظ على استقلالك السياسي ، لابد أن توفر لنفسك دخل مادي مستقل عن عملك السياسي، يضمن لك مستقبلا ماديا أمناً ، لأنه نادرا ما أن يتقاضي السياسي النزيه و الحر أموال مقابل نشاطه السياسي.

لا تدخل في صفقات أعمال مشبوهة و لا تقبل الرشوة

حتى لا تتورط في أعمال غير قانونية ،و لا يتم اتهامك بالفساد ، و تحافظ على نزاهتك و حسن سيرتك و ثقة الجمهور بك ، ابتعد عن أية صفقات أعمال مشبوهة مثل عمليات غسيل الأموال أو صفقات تتعلق بتجارة البشر و المخدرات و السلاح ، و يجب أيضاً عليك كسياسي أن لا تستسلم لإغراءات مقدمي الرشاوى المادية و الغير مادية ، حتى لا تقع في شرك الفساد المالي و الأخلاقي مما سيعرضك للخطر و ينهي مستقبلك السياسي.

حافظ على سمعتك بحياتك

إن أهم ما يملكه السياسي هو سمعته الشخصية، و السمعة هي نقطة الضعف التي يمكن ابتزاز بها أي سياسي من قبل أعدائه ، لذا لكي ينجح السياسي و يحمي نفسه من خطر الابتزاز، عليه تجنب زيارة الأماكن المشبوهة ، و تجنب التورط في علاقات غير شرعية مع احدي الجنسين، و تجنب التورط في الإدمان على الخمر و لعب الميسر ، لأن أهم عوامل النجاح السياسي هو المحافظة على السمعة الشخصية ، و حسن السيرة حتى لا تلاحقه الشبهات المتعلقة بسلوكه الأخلاقي و حتى لا تغتاله الإشاعات معنويا.

حافظ على صحتك النفسية و الجسدية

يجب على السياسي أن لا يهمل في كل من صحته النفسية والجسدية ، حتى يحافظ على سلامة عقله و رجاحته في اتخاذ القرارات السياسية ، و يجب عليه أن يقوم بعمل فحوصات صحية دورية ليتأكد من سلامة جسده وخلوه من الأمراض ، ليستطيع الاستمرار في نشاطه السياسي لفترات أطول ، بدلا من الانشغال في العلاج بأمراض مفاجئة تهدد حياته بسبب إهماله الصحي.

لا تكن عنصريا، و لا تحرض على العنف و القتل قولا أو فعلا

في عالم متحضر و متقدم ، يميل معظم السياسيون المعاصرون في العالم ، لاعتماد لغة حوار سلمية سواء مع الحلفاء أو الأعداء، حيث أصبح المنهج السلمي هو الأكثر شيوعا، و الأكثر فعالية لحل النزاعات ، لذا من الأفضل للسياسي أن لا يستخدم لغة العنصرية و التحريض على العنف والقتل ضمن خطابه السياسي ، حتى لا ينشر ثقافة الكراهية و الحقد في المجتمع ، و عليه أن يتجنب أيضا التورط في أي أنشطة عنف قد تعرض حياته و حياة الآخرين للخطر.

تجنب مناقشة الأمور الحساسة المتعلقة بالدين و الأقليات

من الأفضل للسياسي أن لا يتورط في مناقشات جدلية تتعلق بالدين، أو أمور قد تثير الفتنة بالمجتمع ، مثل الطائفية وحقوق الأقليات، بل يجب أن يحترم السياسي جميع الديانات و المذاهب، و أن تكون لغة خطابه السياسي لغة متسامحة ، و غير عنصرية ، و تحترم حقوق الجميع.

لا تلقي التهم جزافا و انتقد القرارات السياسية بموضوعية

السياسي الناجح هو الشخص الذي يكون مسئول عن كل تصريح سياسي يصدر من جهته ، و الذي لا يتهم الآخرين جزافا ، حتى لو كان هؤلاء المتهمين، هم خصوم و أعداء ، فيجب أن يتم دعم تلك الاتهامات ببراهين و أدلة مادية، و السياسي الناجح هو أيضاً الذي ينتقد القرارات السياسية بشكل بناء و بكل موضوعية بهدف الإصلاح ، و ليس بهدف تأجيج المشاعر و التحريض على الآخرين ، لنيل الشهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، ففي حال أراد السياسي فعلاً محاربة الفساد ، عليه أن يستخدم أدوات القانون و القضاء، بدلا من بث الإشاعات المغرضة التي قد تهدد مستقبله السياسي ،و تعرضه لخطر الانتقام منه.

لا تقترب من الجماعات المسلحة

على السياسي الذي يحرص على حياته ، أن ينأي بنفسه عن أية علاقات مع أية جماعات مسلحة ، حتى لا يتورط بمشاكل أمنية مع تلك الجماعات ، قد تعرض حياته للخطر ، و تجعله يخضع للمراقبة الشديدة من قبل أي جهاز أمني محلي أو أجنبي مما يقيد نشاطه السياسي الحر.

أخبئ رأسك عند تقلب و تغير الأمم

في ضوء عدم وضوح الرؤية السياسية ، و انتشار الفوضى الأمنية ، و حدوث التغيرات السياسية خاصة في أوقات الثورات و الحروب ، من الأفضل للسياسي أن لا يتحالف مع أي جماعة سياسية جديدة ناشئة ، و أن لا يتحدث في أمور جدلية قد تعرضه للخطر.

و في ظل عدم توفر معلومات مؤكدة عن أوضاع البلاد ، من الأفضل للسياسي أن يلتزم الصمت حتى تهدأ النفوس الثائرة ، و يتمكن من التعبير عن رأيه السياسي بدبلوماسية، ودون أن يثير غضب أي طرف من أطراف النزاع.

تجنب العمل مع أي جهاز استخباري محلي أو أجنبي

لكي يحافظ السياسي على استقلالية رأيه السياسي، و موضوعيته ، وثقة الجمهور به كسياسي مستقل يعبر عن مطالب شعبه الحقيقية ، و قناعاته السياسية الحرة التي تهدف لتطوير المجتمع ، من الأفضل للسياسي تجنب العمل مع أية أجهزة مخابرات ، سواء كانت تلك الأجهزة محلية أو أجنبية ليحمي مصداقيته ، و حتى لا يتم توجيه صوته السياسي لخدمة أجندات سياسية خفية ، لا يعلم نتائجها، و قد تقضي على مستقبله السياسي و تجعله هدف للتصفية السياسية.

تعرف على القوانين الدولية و تجارب الشعوب الأخرى

من الأفضل للسياسي أن يتعرف على مبادئ القانون الدولي ، لكي يدعم وجهة نظره السياسية بالقرارات الدولية التي تخدم قضيته السياسية على المستوى الدولي، و على السياسي الناجح أيضا أن يتعرف على تجارب الشعوب الأخرى في التاريخ ، حتى يستخلص الدروس و العبر و يوفر الوقت على شعبه من إعادة ارتكاب نفس أخطاء الشعوب الأخرى .

لا تتدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى

السياسي الناجح هو من لا يتدخل في شؤون غيره ، و لا يهاجم السياسات الداخلية للدول الأخرى ، و يحترم خصوصيتها ، و ذلك حتى لا يتعرض لاتهامات خارجية من تلك الدول بأنه يثير الفتنة في تلك البلاد ، أو أنه يعمل لدى جهاز أمني معادي ، مما يعرض السياسي للمنع من السفر إلي هذه الدول ، و يعيق نشاطه السياسي الخارجي.

تلك كانت أهم قواعد السلوك السياسي ، التي إذا حاول أي سياسي أن يطبقها بحرص شديد ومسئولية ، حينئذ يمكنه ممارسة عمله السياسي بكل هدوء و عقلانية ، دون الشعور بالقلق من التعرض لأي تهديد على حياته ، مما يمكنه ذلك التفرغ لأنشطة الإصلاح السياسي، و لتوعية مواطنين شعبه في مجال التنمية السياسية و الثقافة السياسية المثمرة التي تدعو إلي الخير العام و مصلحة الوطن.

لذا مارسوا السياسة ، لكن بدون خطر ...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد