215-TRIAL- من يستمع للغة المتبادلة بين طرفي الانقسام لا يحتاج إلى كثير من التدقيق ليعرف أننا نعود للمربع الأول من الكراهية التي طغت على الحالة الفلسطينية منذ سنوات وتسببت بكل هذا الانسداد على المستوى الوطني والإنساني وبالتحديد لسكان قطاع غزة الذين أمضوا سنواتهم الأخيرة يحلمون ويحلمون .. ويكذبون على أنفسهم محاولين التعلق بقشة الوفاق، ويبدو أن اليأس هو قدرهم وهو حقيقة الحقائق التي يحاولون الهروب منها.
هناك خوف حقيقي على المصالحة الوليدة وهي تمر في لحظة حرجة والخوف الأكبر أنها المحاولة التي ولدت بعد سبع سنوات من المخاض، النتيجة حكومة كسيحة وبلا أرجل تعاني من الشلل حتى اللحظة، وكم يحاول الجميع مساعدتها على تلمس طريقها لكن يبدو أن الواقع أعقد كثيرا من ذلك، ويبدو أن أطراف الانقسام أكثر عجزا عن السير بها للأمام، فما حدث ويحدث وما جرى ويجري عصي على الفهم والتفسير، فليس هناك ثورة في منتصف الطريق أكلت نفسها إلى هذا الحد.
لم تكن التفجيرات الأخيرة هي سبب الانتكاسة، بل إن الشلل والاتهامات سبقت أحداث الأسبوع الماضي، فالتفجيرات ليست سوى الإعلان الواضح عن الفشل الذريع في السير قدما نحو المصالحة، فالحكومة مشلولة حتى قبلها والاتهامات كانت حاضرة وإن بشكل أقل، ولكن التفجيرات كشفت هشاشة ما تم التوقيع عليه وسطحية الاتفاقيات التي وقعت بين الطرفين، بحيث لامست القشور دون الوصول إلى جذر الخلاف الحقيقي بين الجانبين، فقد استسهلا نقاش الفروع هروبا من واقع معقد هم أكثر عجزا عن التوافق حوله.
كما يقول الأطباء فإن الأمر بحاجة إلى ما يشبه المعجزة كي تتمكن المصالحة من النجاة وسط هذه الأمواج العاتية من سوء النوايا وهذه الألغام التي تنفجر واحدا تلو الآخر لتستعجل إعلان موتها الذي يعني إعلان الفشل النهائي وإسدال الستار على تجربة إنهاء الانقسام، فإذا فشلت كل هذه المحاولات التي استنزفت كل هذا الوقت وكل هذه الحوارات وكل هذا التدخل من أكثر من عاصمة فهذا يعني أن المصالحة مستحيلة وأن على أهل غزة أن يهيئوا أنفسهم للإفاقة من حلم كان الأقصر على الإطلاق.
وعليهم أن يتأهلوا لحياة البؤس الدائمة وألا يحلموا ب معبر رفح وبالكهرباء ورفع الحصار، فكل المؤشرات لا تبعث على الاطمئنان بل تتخذ شكلا أكثر مخيفا من السابق، فالسنوات الطويلة السابقة تخللها حوارات بين الطرفين أدت إلى نوع من الاسترخاء في سلوك كل منهما تجاه الآخر، فماذا لو أعلن الفشل وعدنا إلى حالة الانشداد والتربص؟ سنعود إلى تغول أجهزة الأمن في غزة والضفة وإلى انتهاك الحريات، فهي حتى اللحظة لم تؤسس على ثقافة احترام حقوق الإنسان وهناك خوف من العودة إلى أيام الانقسام الأولى، تلك المرحلة التي لا يتمنى أي من الفلسطينيين عودتها.
نحن في غزة لم نعد نحتمل كل هذه المأساة ونخشى عودة كابوس ترجماتها على الأرض، ويكفي الإغلاق الأخير لمعبر رفح الذي يعيدنا إلى السجن الكبير من جديد، وواضح أن أزمته طويلة، ولو فكرت حركة حماس قليلا بإمكانها إحراج الجميع مستغلة هذا الإغلاق الطويل عليها بان تعلن تسليم المعبر وخروجها منه وتلقي بمفتاحه إلى حكومة التوافق، وتطالب الحكومة والسلطة مع باقي القوى ب فتح المعبر، فهو مغلق بكل الظروف ومأساة العالقين كبيرة جدا وحياة الآلاف تعطلت ومستقبل الطلبة في خطر شديد، فلماذا هذا الصراع على المعبر ولماذا هذا التمسك بمعبر مغلق؟
المشكلة أن كل هذه الأزمة وصانعيها في مؤسسات السلطة تدور بين من انتهت صلاحيتهم في هذه السلطة بدءا من الرئاسة وانتهاء بالمجلس التشريعي، ولأنهم يحتكرون القوة في غزة والضفة فلا حول ولا قوة للمواطن الذي يدفع ثمن هذه الأزمة لسنوات طويلة، فمن الواضح أننا أمام قوى لا يعنيها هم المواطن ولا تعرف معنى المسؤولية عن الناس، وواضح أننا أمام مواطن استسلم لقدره البائس إلى درجة أنه أصبح أكثر عجزاً من قواه.
أن تصاب المصالحة بانتكاسة يعني أن لا إعمار في غزة، وأن يترك الناس عراة في برد الشتاء، فالإعمار هو أحد نتائج المصالحة والحكومة أيضا نتيجة للتوافق الذي استمدت اسمها منه، ومن الواضح أن الانتكاسة قد تمت ولا يعتقد أن مبادرة حركة الجهاد الإسلامي بإعادة التوفيق بين الطرفين تستطيع أن تحل الأزمة الجديدة التي أضيفت لأزمات سابقة كانت أيضا قبل التفجيرات تنذر بانهيار المصالحة.
فلو كان الأمر متعلقاً بأحداث الأسبوع الماضي من تفجيرات وإلغاء مهرجان ذكرى الرئيس عرفات لكان الأمر أسهل، لكن نذر الأزمة كانت تطل قبل ذلك حين اكتشف الطرفان أن مستحيلات المصالحة أكبر من ممكناتها في ظل الخلاف السياسي والبرنامجي بين الطرفين، والمأساة أنهما تجاهلا ذلك معتقدين أن حسن النوايا وحدها قادرة على تجاوز الأزمة، ولكنهما اكتشفا كما اكتشفنا أن ليس بالنوليا وحدها تقاد الشعوب، بل بالتوافق السياسي وبالاحتكام إلى مؤسسات مرجعية تحددها توازنات وثوابت وعلاقات دولية وإقليمية، وأهم من ذلك كله "عقد اجتماعي" مع المواطن صاحب السلطة والصلاحيات.
وهنا أيضا أزمة أكبر وهي إسرائيل التي جعلت من التوافق الوطني أمرا معقدا أو يجب أن يسير باتجاه محدد، وهذا مصدر الخلاف الأكبر بين قوتين كبيرتين الأولى تعتقد أنها سارت بمسار حددت نهايته شكل العلاقة مع إسرائيل بعيدا عن الصدام، والأخرى تعتقد أن الصدام هو الشكل الوحيد في العلاقة مع اسرائيل، وحتى اللحظة ليس مستعدا أي منهما أن يعيد النظر في برنامجه، وهكذا اصطدم البرنامجان إلى الحد الذي يمنع أي توافق بينهما، وهنا الأزمة والتي لم يقترب الطرفان منها، وبقيا على هامشها وهما يوقعان اتفاقاً بدا أنه ليس اتفاقا سياسيا، لكن كان هناك تعهد باستمرار الحوار جعلنا نعتقد أنهما سينتقلان إلى القضايا الأصعب بعد التوقيع في أجواء أكثر مريحة.
ثم كانت الحرب على غزة، والمأساة أنها جعلت كلا منهما أكثر تمسكا ببرنامجه لتزيد من الهوة السياسية بين الطرفين، لتعود بعد الحرب مباشرة لغة الخلاف مرة أخرى وهذا قبل التفجيرات ...لدينا مشكلة كبيرة بحاجة إلى حوار عاجل، فتهديدات الدكتور حليل الحية تنذر بانفجار جديد على منصة المصالحة التي تقف في منطقة الخطر في عنق الزجاجة، فإما أن تسقط وإلى الأبد وإما أن تخرج للنور إذا ما دخلت الأطراف حوارا سياسيا جديا هذه المرة وجادا بلا مجاملات، مع استعداد أن يفهم كل منهما الآخر أو تعاد الأمانة للشعب ليقرر ماذا يريد. إذا كان الفشل هو ما أنتجته هذه الفصائل عليها أن تعود لصاحب السلطة الحقيقي، فهي تستولي على سلطته، هل تعرف؟ قد يكون لديه المخرج ..! 
Atallah.akram@hotmail.com 8

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد