159-TRIAL- يمكن القول وبدون أي مبالغة، بأن سلسلة التفجيرات التي استهدفت منازل نحو خمسة عشر قياديا فتحاويا في غزة ، قد أصابت المصالحة في مقتل، وأن جرحها قد وصل إلى حد "عظام" "فتح"، وحتى أنها تسببت في حنق معظم الفلسطينيين، الذين كانوا يتطلعون إلى الذكرى العاشرة لرحيل أعظم من أنجب الشعب الفلسطيني على مدى تاريخه بأسره، والتي تجيء هذا العام بعد حروب موجعة للغاية أصابت غزة بالذات، وفي ظل تصعيد غير مسبوق من قبل إسرائيل في حملة التهويد للأقصى و القدس ، إلى أن تتحول المناسبة إلى عرس وطني وحدوي حقيقي، يضمد من الجرح الغائر في نفوس أهل غزة، ويتصاعد بمعنويات المرابطين في القدس، والمنتفضين في الضفة الغربية . 
لكن " حماس "، أو بمعنى أدق وأوضح، عسكر "حماس" الحانقين بسبب عدم تلقيهم رواتبهم منذ عدة شهور، آثروا إلا أن يفوتوا الفرصة على شعبهم وعلى فصائله وقواه المناضلة في سبيل الحرية والتحرر، ويبدو أن هؤلاء العسكر بالذات قد اعتادوا أن يأخذوا ما يعتقدون انه حقهم "بأذرعهم" ويبدو أنهم في موقع يسمح لهم بإملاء شروطهم ومواقفهم على القيادة السياسية لحركة "حماس"، وهم بالمناسبة فعلوا ذلك في أكثر من مناسبة، ليس آخرها " تصفية " عضو قيادة "حماس" أيمن طه، أبان الحرب الثالثة على غزة، ولكن أخطرها على الإطلاق تنفيذهم للإنذار الذي كانوا وجهوه لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، إسماعيل هنية ، بعد توقيع اتفاق مكة في آذار 2007، وكانت مهلتهم ثلاثة أشهر، إن لم ت فتح تلك الحكومة أبواب الاعتراف بحركة "حماس"، فإنهم سيضعون حدا لها، وفعلا هذا ما كان، فبعد ثلاثة أشهر ودونما يوم واحد زيادة أو نقصان، نفذوا الانقلاب أو ما أسموه بالحسم العسكري في حزيران 2007 . 
يبدو عسكر "حماس" بذلك انهم فوق "حماس" وفوق الحكومة، وفوق الشعب ومؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية، فكم من تنفيذ لحكم إعدام بحق مواطنين قد اتخذوه دون العودة إلى أي جهة، يفعلون كل هذا وأكثر بحجة أنهم مقاومون ! 
إن جرح التفجيرات في نفوس قيادة وكوادر ومنتسبي حركة "فتح"، وهم اكبر فصيل فلسطيني، من حيث التعداد والتأثير والجمهور، ما زال غائرا، وكان بعض تلك القيادات واضحا، وهو يختصر الحالة بالقول بان العلاقة مع "حماس" بعد التفجيرات ليست هي ذاتها قبلها، وانه لا خيار آخر سوى تسليم السلطة بالكامل في غزة، والذهاب إلى انتخابات فيصل بين الطرفين، أي انه لم يعد هناك من إمكانية لشراكة ملتبسة بين الحركتين وانه لابد من السيادة الكاملة لحكومة التوافق، وليست السيادة الشكلية على القطاع .
أخطر ما في هذا الأمر هو تضرر مشروع إعادة الإعمار، بما قد يهدد بوقف تلك العجلة، التي بدأت على استحياء بالدوران، أما أسوأ ما جرى في سياق الحالة، فهو محاولة الناطقين باسم "حماس" تبرير الأمر، نعني بشكل خاص سامي أبو زهري وفوزي برهوم، اللذين حاولا " إلصاق " تهمة التفجير بآخرين، مرة قالوا إنهم داعش / فلسطين، ومرة أخرى، فكروا بالغمز من قناة الاختلافات الداخلية لحركة فتح. أقل ما يمكن أن يقال في هذا الشأن بأن تلك المحاولة زادت الطين بلة، وهي في الحقيقة تكشف مجددا أن "حماس" ما زلت تعتقد بأن خروجها من مأزقها إنما يكون من خلال "التهويش" والتهديد، وحتى "البلطجة"، فقط كان بيان داخلية "حماس"، الذي أعلنه أياد البزم، صريحا حين أشار إلى ضعف أجهزة أمن الداخلية عن القيام بمهامها، نظرا لعدم تلقي منتسبيها رواتبهم.
أقل ما يمكن قوله هنا، بان توجيه التفجيرات لقادة "فتح"، وقبل أيام من الاحتفال بذكرى عرفات، بل ومطالبة المستهدفين بعدم الخروج من بيوتهم حتى ما بعد الرابع عشر من الشهر كان هو القرار الفعلي بإلغاء ذلك الاحتفال، حيث كان ثمن إقامته هو رواتب عسكر "حماس"، وان قدرة "حماس" الأمنية، ليس فقط على ردع أية عمليات من هذا القبيل، فضلا عن الكشف بسرعة عن الجناة، كان سيظهر لو أن أحدا تجرأ وتطاول على "حرمة" "حماس" وأجهزتها أو بعض قياداتها في غزة ! 
لكن الأكثر سذاجة والذي كان ينم عن تخبط، في صفوف الحركة التي يبدو أنها ليست بأفضل حال من أشقائها في الجوار، كان محاولة إلصاق التهمة بداعش / فلسطين، وكان هذا بمثابة محاولة الانتحار، فمعروف أن نتنياهو يحاول وفي سياق دفاعه الضعيف عن جريمته بحق قطاع غزة، قبل أربعة أشهر، أن يظهر حربه كشبيهة بالحرب الأميركية في سورية والعراق ضد تنظيم داعش، ومثل هذا يقدم له خشبة خلاص، أو دليل البراءة، أو على أقل تقدير حجة دفاع حين تطلبه محكمة الجنايات الدولية للمثول أمامها بتهمة ارتكاب جرائم الحرب في غزة.
أخيرا نقول بأن "حماس" بمسؤوليتها التي لا لبس فيها عن تفجيرات منازل قيادات "فتح"، تكون قد أطلقت رصاصة الرحمة على حالة التوافق الملتبسة التي عقدتها مع "فتح" قبل بضعة شهور _ لذا ربما يكون الوضع الداخلي بحاجة إلى عقد اتفاق جديد، تتنازل فيه "حماس" فعليا عن حكم غزة _ تلك الرصاصة كانت كمن يطلق الرصاص على أرجله، أو على شاكلة الرصاصة الأخيرة التي عادة ما يحتفظ بها الجندي ليطلقها على رأسه حتى لا يقع أسيرا. لأجل كل هذا، على "حماس" أن تدرك بان اللعبة وفق الأدوات السابقة قد انتهت، وأن عليها مغادرة التفكير في الاستمرار باللعبة ذاتها، بعد مرور أكثر من ثماني سنوات عليها، خاصة وهي تطالب الآن بتفعيل المجلس التشريعي وهو مصدر ومركز سلطتها الرسمية، فبدلا من المطالبة بذلك، عليها المطالبة والاستعداد لإجراء الانتخابات، كون المجلس التشريعي قد تجاوز مدته القانونية منذ سنوات، وان مدخل المصالحة، بل إن المصالحة التي تكون في صالح الشعب الفلسطيني، هي تلك التي تعزز سلطة الشعب، وليست تلك التي تحقق التوافق بين "فتح" و"حماس".

Rajab22@hotmail.com

168

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد