أكثر من مرة كتبنا وقلنا بمناسبة الأول من كانون الثاني من كل عام، الذي يصادف عند الشعب الفلسطيني ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، بانطلاقة حركة فتح في مثل ذلك اليوم من العام 1965، ويصادف عند الدنيا كلها، مطلع العام الجديد، وتساءلنا عن المغزى أو حتى الصدفة التي جعلت من الاحتفاء الفلسطيني بنفس يوم وحتى ليلة احتفاء العالم كله بالعام الجديد، وهل كانت مقصودة لدى من أعد إعلان الانطلاقة الفتحاوية أم لا، ولماذا كان هذا التوقيت، إن كان المغزى مقصودا ؟!


لا يمكن بتقديرنا أن يكون قادة كبار، وإن كانوا شبانا في ذلك العام 1965، أن تمر عليهم تلك العلاقة، دون أن يكونوا قد قصدوها تماما، وأنهم حددوها عن سابق قصد وتقدير، وبرأينا فإنهم أرادوا أن يؤكدوا جملة من الحقائق، منها أنهم أرادوا أن يقولوا إنهم بإطلاقهم الكفاح المسلح، وبإعلانهم الثورة، فإنهم يعلنون فجر عصر جديد بالنسبة للشعب الفلسطيني، وربما أنهم أرادوا أن يذكّروا بأن السيد المسيح عيسى بن مريم، نبي السلام والمحبة، إنما هو ابن هذه البلاد، ولد فيها وترعرع، ودعا إلى دين التسامح والمحبة والسلام من على تلالها وسهولها، ثم ربما ودون قصد، جاءت متلازمة الاحتفاء لتشير إلى أن القضية الفلسطينية، ستمثل مركز اهتمام العالم كله، وأنها على مر العقود ستكون شعلة الحرية في العالم بأسره.
هذا عن مصادفة أو متلازمة انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، مع انطلاقة كل عام جديد، أما عما فعلته تلك الانطلاقة في عامها ذاك، أو خلال عدة سنوات، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة فنقول، إن الانطلاقة التي يمكن اعتبارها انطلاقة مركبة أو أنها انطلاقة متصلة، استمرت بضعة أعوام من 1965 - 1969، كانت فتحا لعصر جديد على الصعيدين الفلسطيني والعربي.


أولا يمكن القول إن انطلاقة فتح قد تحولت إلى انطلاقة للثورة الفلسطينية كلها، العام 1968، أي بعد معركة الكرامة، حيث سطرت فتح وأخواتها من فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة يوم 21 آذار نصرا مؤزرا على الجيش الإسرائيلي «الذي لا يقهر»، فبعد تلك المعركة أصبحت فتح هي اكبر واهم الفصائل، وبدأت تجمعها وتقودها، وتنشر روح الأمل بما تحقق من نصر، ثم اكتمل عقد «الانطلاقة» بتقديرنا العام 1969، حين دخلت الفصائل م ت ف، لتحولها من هيئة سياسية عربية، أو من محفل عربي داخل الواقع الفلسطيني إلى قيادة فلسطينية داخل المحافل العربية، ولتجمع بين ما هو عسكري وسياسي، لأن فتح وأخواتها بعد ذلك جمعت بين الكفاح العسكري الذي كانت قد بدأته قبل ذلك ببضع سنوات، والكفاح السياسي، الذي بدأته بعد قيادتها لـ م ت ف وتولي الراحل ياسر عرفات رئاسة لجنتها التنفيذية، بدلا من يحيى حمودة.


ثم كان كفاح م ت ف المعروف بعد ذلك والذي تم تتويجه العام 1973، بدخول المنظمة للأمم المتحدة بصفة مراقب، كذلك باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مترافقا ذلك ببرنامج النقاط العشر، الذي حدد البرنامج السياسي الذي يقاتل من أجل تحقيقه الشعب الفلسطيني والذي خاطب به العالم حتى هذه اللحظة.


لكن الهدف الرئيس المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لم يتحقق أولا بسبب الصراع الكوني/الإقليمي، وثانيا لأن الكفاح العسكري الفلسطيني اقتصر على الشعب الفلسطيني بالخارج، إلى أن جاءت الانتفاضة العام 1987 لتصحح هذا المسار، الذي فرض الاعتراف بـ م ت ف على إسرائيل وفتح الطريق لإقامة أول سلطة فلسطينية على الأرض الفلسطينية.


بعد جملة متغيرات داخلية وإقليمية وكونية - أهمها، انتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم الحروب الداخلية العربية، التي فتتت دولا مركزية مؤيدة وداعمة للكفاح الفلسطيني، ثم تمركز الكفاح الفلسطيني داخل الوطن، واقتصاره على قطاع غزة و القدس والضفة الغربية، ثم اعتماد القيادة الفلسطينية منذ أوسلو على الكفاح السياسي، أو أنها جعلت منه المظهر الرئيس للكفاح، وان كانت قد ظهرت بعد العام 2000، عبر انتفاضة مسلحة، فتح لها الباب من تحت الطاولة الراحل ياسر عرفات، محاولة المزاوجة بين الكفاح المسلح والكفاح السياسي - كانت النتيجة أنه لم تتحقق أهداف أوسلو نفسه، لذا فان محاولات تعديل المسار قد ظهرت عبر إرهاصات عديدة، منها هبة السكاكين، قبل عامين، وهبة القدس منتصف العام الماضي، كذلك الدعوة من قبل رأس القيادة السياسية لانتفاضة شعبية سلمية، لإسناد الكفاح السياسي، ما هي بتقديرنا إلا مؤشرات أو إشارات للحاجة إلى انطلاقة ثانية للشعب الفلسطيني.


لقد وصل صد العدو لتطلعات الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، ذروته خلال العام المنصرم، إن كان من خلال إغلاق كل الأبواب في وجه الحل السياسي - منذ نيسان العام 2014 - أو من خلال الهجوم المحموم على القدس بما في ذلك الحوض المقدس، وبالمركز منه المسجد الأقصى، من خلال ما حاولت فرضه إسرائيل في تموز العام الماضي 2017 من وضع البوابات الحديدية على مداخل المسجد، أو من خلال ما أقدمت عليه إدارة البيت الأبيض من اعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للاحتلال الإسرائيلي آخر العام، في كانون الأول 2017.


لعل إعلان القيادة الفلسطينية نفسها عن أن الولايات المتحدة لم تعد راعيا للعملية السياسية، هو المدخل الذي يشير إلى أن البرنامج الكفاحي الذي لا بد من اعتماده في المستقبل هو اعتبار أن أميركا حليف لإسرائيل أو حتى عدو، وليس طرفا محايدا، كذلك التفكير في زج الكل الفلسطيني، ليس عبر الوحدة بين غزة والضفة أو بين حماس وفتح وحسب، بل بين كل تجمعات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، من خلال برنامج كفاحي ميداني شعبي جامع، يحدد لكل مجموعة أو تكتل بشري دوره المحدد، لعل العام 2018، يكون مفصلا ثانيا في كفاح الشعب الفلسطيني من اجل حريته واستقلاله ووحدته في الداخل وداخل الداخل والخارج ، وأينما وجد.

Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد