65-TRIAL- تزايدت في الآونة الأخيرة التصريحات الصادرة عن قيادات وازنة في حركة حماس تؤكد مشاركتها المرتقبة في الانتخابات التشريعية والرئاسية التي قد تجري في الأشهر القليلة القادمة، كونها أحد استحقاقات اتفاق المصالحة مع حركة فتح.
الجديد في أحاديث حماس حول المشاركة الانتخابية أنها ستدخل الانتخابات الرئاسية، إن لم يكن بترشيح أحد من رموزها وقادتها، فقد تلجأ كما هو متوقع لدعم مرشح توافقي مقترح، ورغم أن بازار الترشيحات لم ي فتح بعد أمام دوائر صنع القرار في حماس، لكن العالمين ببواطن الأمور يتحدثون عن بعض الأسماء بحذر شديد.
أما عن الانتخابات التشريعية، فيبدو أن مشاركة حماس فيها أمراً طبيعياً ومتفهماً أسوة بنظيراتها من القوى السياسية الفلسطينية، لكن المسألة بحاجة إلى إعادة قراءة من جديد في ضوء التجربة القاسية التي خاضتها الحركة في السنوات الماضية بين عامي 2006-2014، خشية من تكرار ما مرت به من إشكاليات ومعاناة أثقلتها بصورة غير متوقعة، ولم تكن مدرجة ضمن قائمة التحديات بالقسوة التي بدت عليها.
فالمعطيات التي كانت ماثلة أمام حماس فور فوزها في الانتخابات السابقة، داخلياً وخارجياً، ما زالت ماثلة، بل وأقسى منها، فالرئيس محمود عباس أعلن غير مرة أنه سيمنح حماس فرصة تطبيق برنامجها الانتخابي دون أن يشاركها في إدارة الوضع القادم، فيما يتولى حكم إسرائيل ائتلاف هو الأكثر يمينية في تاريخها، وليس مضموناً انتزاع موافقته على إجراء الانتخابات الفلسطينية في الضفة الغربية و القدس المحتلة، أما عن الإقليم المحيط بحماس فحدث ولا حرج عن القطيعة القائمة في أقصى درجاتها، والفتور الذي لا تخطئه العين في أدناها.
حماس في إطار قراءتها للمعطيات السابقة الكفيلة بكبح جماح أي قرار بالمشاركة الانتخابية، تصويتاً وترشيحاً، تبدو عينها على الواقع الفلسطيني في غزة والضفة، وترى فيه دافعاً لتحقيق طموحها بإنجاز فوز لا يقل عن سابقه في 2006، لإثبات مصداقية طرحها السياسي، رغم الصعوبة البادية في المحيط الإقليمي لتفهم فوز إسلاميين جدد عقب الإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر، الجماعة الأم لحماس.
غزة التي خرجت لتوها من حرب إسرائيلية ضارية امتدت أكثر من 50 يوماً، ترى فيها حماس قاعدة متينة لقوتها التنظيمية والعسكرية، بعد أن قدمت أداءً قتالياً منح حماس شعوراً بأنها قد تمثل البديل الحقيقي لمشروع التسوية الذي تمثله فتح، مما قد يدفع الناخب للذهاب لصندوق الاقتراع دون ان يعد إلى العشرة، ويختار اللون الأخضر الذي يمثل حماس.
لكن غزة ذاتها، كما يجب أن ترى حماس ذلك بعين ثاقبة، ما زالت ترمم جراحاتها التي ما إن تشفى حتى تنكأ من جديد عبر 3 حروب إسرائيلية خلال 6 سنوات فقط، أسفرت عن معاناة لا تحتملها غزة، هذا الشريط الساحلي المحاصر: براً وبحراً وجواً، فضلاً عن الحصار الذي يضرب أطنابه عليها منذ 7 سنوات بدون توقف، ما يعني أن الناخب قد يذهب لصندوق الاقتراع وهو يصوت بمنطق "الأمعاء الخاوية"، فمن سينتخب؟
أما عن الضفة الغربية، فترى حماس أنها تعاني احتلالاً إسرائيلياً واضحاً يجتاح مدنها صباح مساء، وتقع تحت سطوة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وما تمثله من تفشي مظاهر الفساد وممارسة الاعتقالات السياسية، ومواطنوها، كما تروج حماس، ينظرون للوضع في غزة باستثناء الحصار، على أنه النموذج الذي يتطلعون إليه، مما يجعل الحركة مطمئنة للنتائج المتوقعة للأصوات التي ستؤول لمرشحيها هناك.
علماً بأن حماس تعاني مشكلة كبيرة أعقبت عملية خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في يونيو حزيران الماضي، بفعل الحملة الإسرائيلية الكبيرة التي استهدفت اعتقال المئات من كوادرها، والعشرات من قياداتها البارزة، وهم يشكلون العصب الأساسي لأي قائمة انتخابية متوقعة، فكيف ستتغلب حماس على هذه العقبة إن واصلت إسرائيل اعتقالهم، فضلاً عن اعتقال آخرين لوضع العصي في دواليب عجلة حماس الانتخابية؟
لكن حماس كما يبدو تعتمد على الكتلة الانتخابية الفلسطينية في الضفة الغربية التي تزيد عن ضعفها في قطاع غزة، وتستند لمعادلة رياضية بسيطة تقول: إن لم تتمكن الحركة من تحقيق فوز كاسح بين سكان غزة بفعل العوامل السابقة، وهو أمر يبدو مبرراً، فإن الكفة سترجح لها من خلال التصويت الانتخابي لسكان الضفة الغربية، وبالتالي يبدو فوز حماس تحصيل حاصل.
أخيراً، تبدو حماس مدعوة للتأمل في النتائج المتوقعة لتوجهها القاضي بدخول الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بغض النظر عن إمكانية فوزها فيها، لأنها تعلم جيداً أن إسرائيل والدول العربية في معظمها والمجتمع الدولي قاطعوها، وهي تمسك بمفاصل حكومة تدير غزة فقط، فكيف سيكون شكل الحصار القادم والمقاطعة المتوقعة وحماس تترأس السلطة برمتها؟ أكثر من ذلك، ما هي الضمانات التي تملكها حماس لعدم ولوج الوضع الداخلي في مأزق جديد عاشه الفلسطينيون طوال السنوات السبع الماضية، وهل تملك إجابة سحرية إذا تواصلت الاشتراطات الدولية للجنة الرباعية للتسليم بفوزها الانتخابي؟   هذه تساؤلات لابد لحماس من الإجابة عليها مسبقاً قبل اتخاذ قرارها النهائي بالمشاركة الانتخابية، وهي لا تنتقص من حقها الطبيعي بهذه المشاركة، لكنها إشارات تضمن لحماس والفلسطينيين عدم إنتاج الأزمة من جديد، واستنساخ سنوات عجاف عاشوها بين الحروب والحصار ومتاهة المفاوضات. 224

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد