يقترب العام 2017 من نهايته، أحداث كبرى كان كل واحد منها يمكن أن يكون الحدث الأبرز، وصول ترامب إلى البيت الأبيض وتحولات أميركية مرتقبة على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، وصول الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون إلى قصر الأليزيه وتراجع قوى اليمين واليسار في فرنسا، أزمة حكم ألمانية في ظل نتائج الانتخابات البرلمانية، كوريا الشمالية وصواريخها التي لا تتوقف عن الانطلاق، أحداث سياسية كبرى كانت بمجموعها تشكل عنواناً لهذا العام الذي ستصل قاطرته النهائية بعد أيام، لكن الحدث الفلسطيني يستبق أيامه الأخيرة ليشكل أبرز هذه الأحداث على الإطلاق انطلاقاً من القرار الأميركي بالاعتراف ب القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة من تل أبيب إليها، وتداعيات هذا القرار، والتي باتت أهم بكثير من القرار نفسه، من خلال تصويت مجلس الأمن لمرتين متتاليتين، نتجت عنهما عزلة أميركية من قبل الحلفاء والخصوم والأعداء، رغم فشل المشروعين في الوصول إلى الإقرار، إلاّ أن تصويت 14 دولة ضد القرار الأميركي، حوّل شعار ترامب الذي رفعه أثناء حملته الانتخابية ولا يزال "أميركا أولاً" إلى "أميركا وحيدة"!
ثم جاءت اجتماعات الجمعية العامة، لثلاثة أيام على التوالي، كان آخرها الاجتماع الطارئ الهادف إلى إبطال قرار ترامب بشأن القدس، لتأتي النتيجة المتوقعة كما في الاجتماعين السابقين للجمعية العامة، أكثرية دولية تجاوزت ثلثي الأصوات دعماً لفلسطين وعاصمتها القدس في مواجهة دولية غير مسبوقة مع الإرادة الأميركية التي حاولت شراء أصوات الدول الضعيفة، دون أن يتحقق لها ذلك، بل على العكس، فقد شعرت هذه الدول أنها تمتحن في كرامتها عندما أشارت مندوبة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية من أنها وبتعليمات من الرئيس ترامب ستسجل أسماء الدول العاصية للإرادة الأميركية لكي توقف عنها المساعدات المالية والاقتصادية في حال لم تصوت للموقف الأميركي، إلاّ أن كرامة هذه الدول كانت أقوى من التهديد الأميركي غير المسبوق في التجربة السياسية على الصعيد الدولي، إذ إن مثل هذه الضغوط تجري عادة في الأطر السرية وفي كواليس وأروقة خلفية، وليس كما حدث هذه المرة من قبل أميركا ومندوبتها في الأمم المتحدة.
ومع أن العديد من المراقبين والمحلّلين السياسيين، اعتبروا أن القرار الأميركي حول القدس، ما هو إلاّ تلبية لظروف وعناصر داخلية أميركية بالدرجة الأولى، إلاّ أن نتائج هذا القرار، قد تؤدي إلى انزياحات في إطار رسم السياسة الدولية على أوسع نطاق، ذلك أن عزلة أميركا وضعفها في السياق الدولي، بنتائج التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة، من شأنه أن يزيد من قوة الخصوم والأعداء على الخريطة الدولية، ستبرز روسيا كقوة أكبر على التأثير على المستويين الدولي والإقليمي، ليس فقط بسبب نجاح دورها في سورية، بل وأيضاً بسبب فشل الدور الأميركي على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي الذي هو في الأصل جوهر طبيعة الخريطة الأمنية والسياسية في المنطقة، وربما يبرز الرئيس الفرنسي ماكرون، كقائد أكبر للاتحاد الأوروبي، حيث رئيسة الوزراء البريطانية منهمكة بالخلاص من الاتحاد على الملف "بريكست" بينما السيدة ميركل تعاني من ويلات نتائج الانتخابات البرلمانية وتحاول النجاح بتشكيل حكومة قادرة على الاستمرار، وربما كانت الصدفة هي التي جمعت الرئيس محمود عباس والرئيس الفرنسي ماكرون في الأليزيه في نفس الساعة التي كان يجري بها التصويت في الجمعية العامة في جلستها الطارئة حول إبطال قرار ترامب بشأن القدس، وهذا يدفعنا إلى ملاحظة مهمة في هذا السياق، ذلك أن الصحافي في القناة العبرية الثانية، يارون افراهام قال إن إسرائيل حددت فرنسا كطرف عمل من وراء الكواليس وضغط على دول الاتحاد الأوروبي لتأييد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس، ومطالبتها بعدم الامتناع عن التصويت وعدم الرضوخ للإملاءات الأميركية ـ الإسرائيلية.
جملة من التحولات والانزياحات في خريطة التحالفات الدولية، سيشهدها العام القادم انطلاقاً من أبرز أحداث العام الجاري 2017، وهو حدث "القدس عاصمة فلسطين"!.
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية