من المتوقع أن يعقد مجلس الأمن الدولي، غداً جلسة خاصة لتداول مشروع عربي حول قرار الاعتراف الأميركي ب القدس كعاصمة للدولة العبرية، وقد تم توزيع مشروع القرار بالفعل على الأعضاء الخمسة عشر، متضمناً تأكيداً على المبادئ التي استندت إليها قرارات دولية سابقة حول وضع مدينة القدس القانوني، بحيث يتم تحديده وفقاً لمفاوضات مباشرة فلسطينية ـ إسرائيلية، وهذا يعني، وفقاً لمواد المشروع، أن أي قرارات وإجراءات تغير طابع مدينة القدس ووضعها القانوني وتشكيلتها السكانية الديمغرافية تعد باطلة و»يستوجب إلغاؤها»، والأهم في هذا السياق، أن مشروع القرار يتضمن عودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 478 لعام 1980 بالدعوة إلى امتناع دول المنظمة الدولية عن إقامة أية بعثات دبلوماسية في مدينة القدس. ومن المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» على مشروع القرار، إلاّ انه من المهم جداً أن يحصل هذا المشروع على دعم واسع من قبل المجتمع الدولي، لتعزيز عملية الحصار السياسي للولايات المتحدة، ورفض دولي لقرار الرئيس ترامب حول مدينة القدس، كما حدث قبل أسبوعين عندما وجدت واشنطن نفسها وحيدة وسط 14 عضواً من أعضاء مجلس الأمن الذين طالبوا الولايات المتحدة بالتراجع عن اعترافها بالقدس المحتلة كعاصمة للدولة العبرية.


إن العودة إلى المنظمة الدولية بشأن قضايا الصراع مع الدولة العبرية، يعيد الأمور إلى نصابها وتصحيحاً لخطأ خطير، عندما تم الرهان على الوساطة الأميركية بهذا الشأن، المنظمة الدولية تتحمّل مسؤولية كبيرة كونها قبلت ظلماً انتساب الدولة العبرية إلى المجتمع الدولي، وتتحمّل مسؤولية أكبر عندما أشاحت بوجهها عن تملص إسرائيل عن تنفيذ القرارات الدولية بشكل معلن ووقح ومتحد للإرادة الدولية، إذ لم تكن الولايات المتحدة وسيطاً في أي يوم من الأيام، بل استخدمت هذه الوساطة لمزيد من تعزيز الاحتلال وإدامته، إذ إن واشنطن أخرجت نفسها من هذا الدور عندما ظلّت تجد التبريرات لعدم وفاء الدولة العبرية بالتزاماتها، بالنسبة للقوانين والقرارات الدولية، وحتى تجاه المشاريع والمبادرات التي تقدمت بها الولايات المتحدة نفسها، مثل خارطة الطريق وحل الدولتين، والجديد بعد قرار ترامب الأخير، أن واشنطن جددت خروجها من دور الوساطة، الأمر الذي أدى بالجانب الفلسطيني إلى أن يخرج هو نفسه هذه الإدارة عن دور الوساطة، بعد الانكشاف العلني والمحدد بأن الولايات المتحدة، لم تكن إلاّ طرفاً معادياً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
ورغم كل ذلك، لا تزال إدارة ترامب، ترى لنفسها دوراً أساسياً وحيداً للوساطة في الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ترسل نائب الرئيس ومبعوثه خلال أيام قليلة إلى المنطقة للترويج لأفكار أميركية لاستئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وهي العملية التي رفضتها القيادة الفلسطينية علناً بلسان الرئيس أبو مازن في خطابه أمام مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي قبل أيام، طالما أن هذه العملية تأتي في سياق وساطة أميركية باتت مرفوضة تماماً، الأمر الذي يدفع بالقيادة الفلسطينية إلى التوجه إلى المجتمع  الدولي، ممثلا بالامم المتحدة مستفيدة من عزلة الولايات المتحدة وبدعم من المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأوروبي والمنظومة العربية والإسلامية.


إلاّ أن مثل هذا التحرك السياسي الفلسطيني، يستوجب دعوة المؤسسات السياسية الفلسطينية إلى اجتماعات تضم كافة القوى في منظمة التحرير وخارجها، من أجل رسم سياسات جديدة لمرحلة جديدة، وقد تأخر هذا الأمر كثيراً ولا يجب أن يتأخر أكثر من ذلك، ولعلّ في الحراك الشعبي الفلسطيني الواسع، من فعاليات واحتجاجات في الضفة و غزة ومناطق 1948 على خلفية القرار الأميركي، ما يستوجب شحذ كل الطاقات والإمكانيات لمواجهة هذا القرار، الأمر الذي من شأنه إدامة الدعم الدولي والعربي والإقليمي لقضيتنا العادلة ويزيد من عزلة أميركا وإسرائيل، في ظل عملية مصالحة جادة وحقيقية وشراكة وطنية في القرار!


Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد