يبدو أن إسرائيل تتفهم الغضب الفلسطيني رداً على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإعتراف ب القدس عاصمة لإسرائيل، وتحاول الظهور بالاتزان والمسؤولية تجاه إطلاق الصواريخ من قطاع غزة وأنه تنفيس لحالة الغضب، والفلسطينيين غير مدركين خطورة ذلك وما يسببه من حرف البوصلة عن القدس والخطر الكبير الذي سببه اعتراف ترامب، وان الصراع ليس في غزة، وتنقيط بعض الصواريخ يجب أن لا يكون حالة ثأرية مؤقتة، ونحن نبدو كمن يطلق النار على نفسه.
إسرائيل وكأنها تفهمنا أكثر ما نفهم انفسنا وماذا نريد، وتقول انه منذ الخميس اليوم الثاني لإعلان ترامب أطلق من غزة ١٦ صاروخاً محلي الصنع تجاه المستوطنات، وتظهر نفسها على انها السيدة الحكيمة العاقلة وهي توجعنا يوميا، وتدعي أنها تتفهم الغضب الفلسطيني طالما ان الصواريخ تسقط بعيدا عن المنطقة الحرام وتسقط في مناطق مفتوحة ولم تحدث اي ضرر وهي تحت السيطرة.
إسرائيل تدرك أن حركة حماس معنية بذلك وتغض الطرف عن إطلاق الصواريخ وهي تحاول تغيير معادلة الردع والردود الإسرائيلية وخلق حالة من تآكل قوة الردع الإسرائيلي.
والسؤال: هل فعلاً أن إطلاق الصواريخ هو تعبير عن حالة غضب وتنفيس وتحت السيطرة؟ والتجارب السابقة تقول أن كل تصعيد كان يبدأ بتقطير إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، وتبدأ معها جوقة الإعلام الإسرائيلي بالتحريض، والحديث عن انهيار الردع وفقدانه وتقويض الشعور بالأمن الذي تم تحقيقه في عدوان العام 2014.
وتتساءل جوقة الإعلام الإسرائيلية وتجيب، ماذا سيفعل رئيس الأركان آيزنكوت؟ وحماس تستفز الجيش، ورئيس هيئة الأركان في حيره من أمره، كيف سيرد؟ والمعضلة الرئيسية التي تقف أمام الجيش الإسرائيلي الآن هي التخوف من فقدان الردع إذا استمر قصف الصواريخ، أو كسر قواعد اللعبة، والرد بقوة على حماس، حتى لو كلف الأمر العودة لسياسة الاغتيالات بغزة؟ وإسرائيل تتجنب هز سفينة غزة، ولكن قد تفقد صبرها قريباً.
تقديرات وسائل الإعلام الإسرائيلية تشير إلى أنه إذا استمر تنقيط الصواريخ من غزة، فإن الجيش سيزيد من حدة الردود، وسيوسع دائرة الاستهداف، مثل العودة للاغتيالات، وسيقوم باستهداف قيادات حماس التي تتحرك بأريحية منذ انتهاء العدوان على غزة في العام 2014، ولا يوجد شيء يردعهم أكثر من الاغتيالات. ومطلوب منهم أن يقرروا في حال سقوط صواريخ جديدة، كيف سيكون الرد، تصعيد عسكري أو ردود محدودة؟ تغيير قواعد اللعبة أو الحفاظ على الوضع القائم؟
وكيف سنجيب على وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي قال "اطلاق النار الاخير نحو سديروت ليس له علاقة بالردع الاسرائيلي بل بالصراعات الداخلية في قطاع غزة".
ربما يكون إطلاق الصواريخ وسيلة مريحة للتخفيف من الغضب الفلسطيني، فكثير من الفلسطينيين يرون فيها وسيلة ثأرية وإنتقامية من قرار ترامب، غير انهم غير مدركين حجم الخطر من ذلك، وأنه ليس الخيار المناسب في معركة القدس التي هي بحاجة لجميع الجهود الفلسطينية وتحييد الأغلبية الفلسطينية عن مقاومة الإحتلال هدف تسعى له إسرائيل. ليس المطلوب قسر المقاومة على وسيلة واحدة ولا إجماع وطني عليها في الوقت الحالي ومن قطاع غزة المنكوب بالحصار والمنهك بالعقوبات من السلطة والأوضاع الإقتصادية والإنسانية الكارثية.
على الرغم من حماسة البعض من إطلاق الصواريخ، والإعتقاد السائد انه وسيلة للدفاع عن القدس، الا ان ذلك وصفة للتعتيم على معركة القدس، ويظهر الفلسطينيين بانهم من يعتدي على إسرائيل، وتصبح هي الضحية ويساعدون إسرائيل في تدمير ما تبقى من غزة، وفجأة يفقد الجميع السيطرة على ما يجري من إطلاق صواريخ تضر أكثر ما تنفع، وبدون أي مسؤولية وطنية تجاه القضية الأكبر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية