لا يخلو أي نقاش سياسي حول القضية الفلسطينية يتم تداوله بشكل علني في وسائل الإعلام أو داخل أروقة الحكم الفلسطينية ، من الحديث عن الخطوط الحمراء الفلسطينية التي لا يجرؤ أي زعيم فلسطيني تجاوزها في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ، و التي تُعد بمثابة تابوهات أو محرمات في السياسة الفلسطينية لا يملك أي قائد فلسطيني القدرة للتنازل عنها.

و عند الحديث عن التابوهات الفلسطينية ، أقصد هنا بثلاث محرمات رئيسية في القضية الفلسطينية ألا وهي : القدس و حق العودة للاجئين و حدود الدولة فلسطينية لعام 1967.

لذا على مر السنين ، ركزت إسرائيل بشكل مكثف حول محاولة كسر تلك التابوهات الفلسطينية ، من أجل تصفية القضية الفلسطينية ، وحسم الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ، لصالح المصالح الإسرائيلية ، وحسب الرؤية الإسرائيلية لملف التسوية النهائية.

ومن أجل كسر أول و أخطر تابوه فلسطيني ، وهو القدس ، التي يُصر الفلسطينيون على كونها العاصمة المقدسة للدولة الفلسطينية ، بدأت إسرائيل بالفعل ومنذ عدة عقود زمنية في تنفيذ مخططها المدروس جيدا لتهويد القدس ، مع الاستمرار بمحاولة تنفيذها لمشروع القدس الكبرى ، الذي يهدف إلي توسيع نطاق بلدية القدس عن طريق ضم المستوطنات الإسرائيلية المتواجدة بالقدس الشرقية و محيط الضفة الغربية لتكون تحت إدارة بلدية القدس.

و كطريقة منهجية إسرائيلية مستمرة لكسر تابوه القدس نرى أنه من الواضح جدا ، نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتاياهو بعقد صفقة تاريخية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل حتى فوزه بالانتخابات الرئاسية ، تكمن بنود تلك الصفقة ، بأن ينال ترامب دعم اللوبي اليهودي و الإنجيلين بأمريكا أثناء فترة الحملة الانتخابية الرئاسية ، مقابل وعود من ترامب لتمرير قرارات أمريكية لصالح إسرائيل بعد فوزه بكرسي الرئاسة الأمريكية.

لذا مع إعلان ترامب خلال يوم الأربعاء الموافق 6/12/2017 ، بأن القدس هي عاصمة إسرائيل ، يكون ترامب بذلك قد أوفى بوعده لنتاياهو ، و قد اتخذ بالفعل قرارا تاريخيا ، حاول الرؤساء الأمريكيون السابقون تأجيله عدة مرات خوفا من ردود فعل غاضبة بالعالم العربي.

و بهذا الاعتراف الأمريكي الخطير ، تكون إدارة ترامب قد دقت أيضا أول مسمار في نعش القضية الفلسطينية، و بدأت بشكل مدروس ومخطط له جيدا ، عملية تصفية القضية الفلسطينية ، عن طريق كسر أخطر المحرمات الفلسطينية التي تتمثل بالقدس و التي مازال العرب و المسلمين يعتبرونها العاصمة الأولى للدولة الفلسطينية المستقبلية.

و لا يمكن الاستهتار بهذا الاعتراف الأمريكي ، حتى لو اعتبره البعض بأنه مجرد اعترافا رمزيا ، لأن هذا الاعتراف سيكون له انعكاسات خطيرة على أرض الواقع، وهو يذكرنا أيضاً باعتراف الولايات المتحدة سابقا بإسرائيل خلال عام 1948 ، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك أول دولة غربية تعترف بإسرائيل، قبل نيل إسرائيل اعتراف رسمي من الأمم المتحدة ، الخطوة الرسمية الأمريكية التي تلتها بعد ذلك اعترافات متوالية من قبل دول أخرى ، على الرغم من اعتراض العرب حينذاك و رفضهم لوجود الدولة الإسرائيلية بعد صدور قرار الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة إسرائيل.

لذلك ليس من المستبعد أن تنتقل عدوى الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لإسرائيل لبعض الدول الأخرى التي تتمتع بعلاقات وطيدة مع إسرائيل ، مثل بعض دول أوربا الشرقية و بعض الدول الأسيوية و الإفريقية ، فخطوة ترامب الجريئة ستشجع باقي الدول للإقتداء بالولايات المتحدة الأمريكية و للسير في خطاها ، الخطوة التي ستحاول إسرائيل توظيفها بشكل مكثف لإقناع باقي الدول العظمي لتغيير موقفها الرسمي تجاه القدس، و لتمرير قرارات أمريكية جديدة عبر الأمم المتحدة لصالح تعزيز عملية الاعتراف الدولي بالقدس كعاصمة لإسرائيل.

أما بالنسبة للتابوه الثاني ، الذي تحاول إسرائيل كسره من أجل تصفية القضية الفلسطينية هو حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، حيث مازالت إسرائيل تطلق بالونات اختبارها لجس نبض الشارع الفلسطيني و العربي ، وذلك عبر تسريب تصريحات لبعض مسئوليها حول إمكانية توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية و إمكانية إقناع مصر بالتنازل عن مساحات معينة من أراضي سيناء لتوسيع قطاع غزة من أجل استيعاب عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين لتوطينهم بسيناء ، الأمر الذي لاقى رفضاً مصرياً رسمياً ، لكن في ذات الوقت لم يُحبط هذا الرفض المصري الآمال الإسرائيلية لإذابة قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر الاستمرار بطرح ومناقشة أفكار إسرائيلية تدور حول التوطين أو تقديم تعويضات مالية لهؤلاء اللاجئين من قبل الدول المانحة .

و عن التابوه الثالث، الذي تحاول إسرائيل اختراقه بالتعاون مع حليفتها الكبرى ، الولايات المتحدة الأمريكية ، يمكن القول بأنه تابوه حدود الدولة الفلسطينية على عام 1967 ، حيث تحاول إسرائيل فرض سلطة الأمر الواقع على الفلسطينيين، و تحديد حدود الدولة الفلسطينية بشكل أحادي يتجاهل المطالب الفلسطينية بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.

و تجدر الإشارة ، أنه عند متابعة التسريبات الإعلامية المتعلقة بوجود صفقة أمريكية لتسوية القضية الفلسطينية و متابعة التصريحات الرسمية لحكومة نتاياهو حول شروط إسرائيل للاعتراف بدولة فلسطينية ، نلاحظ أن هناك مخطط أمريكي – إسرائيلي لتسويق مشروع دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة لا تشمل بالضرورة القدس ، يتم تأسيسها على إقليم جغرافي صغير يشمل قطاع غزة و بعض أراضي الضفة الغربية ، مع اختراق صارخ من قبل المستوطنات الإسرائيلية لهذا الإقليم ، مما يعطي الفلسطينيين دولة منقوصة السيادة ، قد تكون أشبه بنظام حكم ذاتي محدود السيادة و الصلاحيات.

ومع محاولات إسرائيل الحثيثة لكسر التابوهات الفلسطينية الثلاث ، خلال هذه الفترة الزمنية الحرجة بحياة الشعوب العربية ، يتم للأسف محاولة تجزئة القضية الفلسطينية ومحاصرتها عبر العمل على محو الخطوط الفلسطينية الحمراء من أجل تصفية القضية الفلسطينية حسب الرؤية الأمنية الإسرائيلية .

وما يجري الآن في هذه الفترة ، يمكن وصفه بأنه عبارة عن محاولات إسرائيلية جادة لحرق مراحل كبيرة من مفاوضات التسوية النهائية ، من أجل القفز على الشروط الفلسطينية في المفاوضات و فرض سلطة الأمر الواقع ، وحشر الفلسطينيين بالزاوية في ظل تشتت جهود الدول العربية ضمن صراعات إقليمية و عربية مشتعلة في كل من اليمن و سوريا و ليبيا و العراق.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد