الجواب نعم. ما زالت ممكنة.
ليس من باب التمني وإنما من باب قراءة الواقع القائم. واقع الرغبة والحاجة.


فقط في الأسبوع الماضي حاولت أن أبين أن الرغبة لا تكفي، وأن الإرادة لتحقيق المصالحة تحتاج إلى التعامل بصورة عملية «براغماتية» خالصة مع مصالح المنظمات ولأن البحث في مسائل المصالحة لم يدخل «بعد»... في المصالح الخاصة بصورة صادقة وصريحة ومباشرة فإن المصالحة ستبقى أسيرة لغياب الوضوح على هذا الصعيد.

للأسف الشديد هناك من لا يرغب بمثل هذه المصارحة، وهناك من يرى أن هذا الأمر ـ المصارحة حول المصالح ـ يكشف عورته، ويعرّي أطروحاته، ويضعه في مواقف محرجة على الصعيد السياسي والاجتماعي في آنٍ واحد، ولهذا فإن هناك من يحاول أن يتلطّى وراء «مصالح الناس» وهو في الحقيقة يقصد مصالحه الخاصة، ولهذا فإن المصارحة حول الحصص والغنائم والامتيازات هي أقصر الطرق للوصول إلى مصالحة عملية.


قد لا تكون هذه المصالحة في أبهى صورها، وقد تتراءى للجمهور باعتبارها مجموعة من «الصفقات» الخاصة، وقد ينتبه الجمهور كما كان مخدوعاً على مدى سنوات طويلة، وقد يتألم هذا الجمهور على حجم التضحيات التي دفعت طوال سنوات الانقسام البغيض ـ لكن الواقع يقول بأن مصالح الناس المجرّدة أو التي يفترض أن تكون مجرّدة ليست في صلب الحسابات، وليست هي ما يشغل القائمين اليوم على مشروع المصالحة. ولذلك دون أن يغادر المتحاورون المنطقة الإعلامية وكامل المساحة الشعاراتية، ودون الدخول إلى صلب الموضوع ستتعذّر المصالحة.


الذي أراه هو أن هناك غيابا للمعايير في المعالجات المطلوبة.
على سبيل المثال لا الحصر:
ما هي معايير تسلم الحكومة لكامل الصلاحيات؟
ما هي معايير عودة الموظفين وبقاء الذين يمكن أن يستمروا؟
ما هي معايير السلطة الواحدة والقرار الواحد والقانون الواحد والسلاح الواحد.
قد تكون جولات الحوار كلها أتت على بحث هذه المسائل، وقد يكون قد تم فعلاً التطرق مباشرة إلى هذه المعايير، لكن هذا لا يكفي.
المطلوب أوراق مكتوبة، ملموسة، واضحة، محدّدة والأهم ملزمة للتطبيق المباشر.


دون ذلك لن يكون ممكناً التقدم الحقيقي في المصالحة. هذا كله من جهة، أما من جهةٍ أخرى لا يوجد حسب ما توفر من معلومات أية آليات واضحة لتحديد الأطراف الميسّرة للمصالحة من الأطراف المعطّلة لها.


الماكينة الإعلامية لحركة حماس تتحدث عن معوّقات جديدة وضعتها فتح أمام المصالحة، في حين أن الواقع يقول بكل بساطة عكس ذلك تماماً.


فحركة فتح هي التي تحتاج إلى معيرة كافة النقاط، لأنها ببساطة تريد أن ترى تسليماً حقيقياً للصلاحيات وليس نسبة معينة منها أو جزءاً لا بأس به منها، وذلك بكل بساطة لأن الصلاحيات إن تم النظر إليها باعتبارها نسبة معينة فإن ذلك ليس إلاّ وصفة مؤكدة لازدواجية هذه الصلاحيات، وهو الأمر الذي يعني نهاية القانون الواحد والقرار الواحد والسلطة الواحدة.


في حالة السلطة لا يوجد نصف سلطة، لأنه بكل بساطة إذا كان ممكناً الحديث عن نصف صلاحيات أو نصف سلطة فما هو إذن النصف الآخر؟
هل هي حالة فراغ؟
هل هي حالة فوضى؟ أم ماذا؟


هل هو تقاسم السلطة وازدواجيتها واختلاف العمل على تطبيق «القانون» وفق اختلاف المرجعية السياسية أو الإدارية؟


للأسف فإن حركة فتح لا تتقن الفن الإعلامي في بعض الأحيان، بل انها غالباً ما تكون في موضع وموقع المسؤولية فإذا بها تحمّل المسؤولية.


ومع ذلك كله تبدو فتح وكأنها تعارض المصالحة وتبدو حركة حماس وكأنها تتصرف بكل مسؤولية إزاء المصالحة.


الماكينة الإعلامية التي تروّج لهذه المسائل ماكينة كبيرة، ولها دعائم قوية في المنطقة، وتتولّى جماعات ليل نهار العمل على تشغيلها بأقصى طاقة ممكنة.


أما الواقع فهو أن حركة فتح «تتشدد» لأنها تريد أن تتجاوز ازدواجية السلطة، ولأنه فقط عَبر تجاوز ازدواجية السلطة يمكن ترتيب الأولويات وتحديد المهمات والبدء بالاهتمام الحقيقي وليس (الدعائي) بمصالح الناس، كل الناس وليس فئات معينة منهم.


وإذا كان لحركة حماس أو لغيرها من الفصائل مصالح خاصة فلتلبِ فعلاً وليس قولاً هذه المصالح، ولتلبِّ أولاً علّه يمكننا أخيراً وبعد تلبية هذه المصالح الدخول في صلب موضوع السلطة الواحدة.


أكرر ما كتبته في الأسبوع الماضي.
لا عيب على الإطلاق بمناقشة كافة ما تطلبه حركة حماس من مصالح، خاصة إذا كان ذلك سيؤدي إلى مصالحة حقيقية. وإذا كانت فتح قادرة على تقديم كل التنازلات على هذا الصعيد فلتقدم دون تردد، شريطة أن تضمن أننا وبعدها مباشرة ذاهبون باتجاه مصالحة حقيقية.


وبهذا المعنى فقط ما زالت المصالحة ممكنة، أما الحديث عن ضغوط على فتح من إسرائيل وأميركا والسعودية فهذه سخافات ليس إلاّ.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد