العملية الإرهابية التي استهدفت مسجد الروضة يوم الجمعة المنصرم، شمال سيناء، تتميز من حيث الطبيعة، والأهداف والأبعاد عن غيرها من العمليات الإرهابية التي تنشط معظم الأحيان في جنوب سيناء والقليل منها في شمال الصحراء المصرية، من حيث الأسلوب، فإن الجماعات الإرهابية، تجاوزت كل الحدود في استخدام وسائل القتل البشع، ويتماثل هذا الأسبوع مع ما تعودت على ارتكابه تلك الجماعات في أماكن وبلدان أخرى.


من حيث المبدأ تشير العملية إلى فشل تلك الجماعات، التي تدعي أنها تستهدف الدولة وأجهزتها، ذلك أنها ما كانت لتستهدف المدنيين وهم يؤدون صلاة الظهر في يوم الجمعة الأقدس بالنسبة للمسلمين، لو أنها كانت قادرة على استهداف الجيش والشرطة وأجهزة الأمن.


ومن حيث المبدأ أيضاً فإن تلك العملية الإرهابية تدل على إفلاس تلك الجماعات التي لا تتورع عن ممارسة القتل بأبشع الوسائل من أجل القتل والانتقام، غير أن كل ذلك، لا يغير من طبيعة الإرهاب وأهدافه. 


دون أن نستبعد أن اختيار هذا الهدف بشكل خاص، يرمي إلى ترويع السكان ليس في القرية فحسب بل في كل المنطقة ومن أجل تفريغ سيناء من سكانها. 


مثل هذا الهدف لا يمكن أن يكون إلاّ لصالح قوى أجنبية، لها مصلحة في تهجير السكان، لتحقيق استراتيجيات سياسية وأمنية معينة. 


لا يمكن إغفال المخططات الإسرائيلية التي أطلقها أكثر من مسؤول عسكري وأمني وسياسي إسرائيلي، وتتحدث عن دولة فلسطينية في قطاع غزة ، تتوسع في سيناء حتى يمكن استيعاب الكثافة السكانية، القابلة للانفجار في القطاع.


في كل الأحوال فإن الأضرار والمخاطر التي تلحق بالفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة لا تتوقف عند حدود، خلق أجواء أمنية لا تسمح ب فتح معبر رفح ، وإن كان هذا هو واحد من القضايا التي استهدفتها الجماعات الإرهابية في أوقات سابقة، عشية الإعلان عن فتح المعبر.


ما تقوم به الجماعات الإرهابية بقدر ما أنها تستهدف الأمن القومي المصري، فإنها أيضاً تستهدف الأمن القومي الفلسطيني، ذلك أن إضعاف مصر هو إضعاف للقضية الفلسطينية، والتآمر عليها هو تآمر على القضية الفلسطينية، وآفاق تحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.


يستدعي هذا الأمر الذي تؤكده الوقائع على الأرض، ضرورة تطوير التعاون الأمني وغير الأمني بين كل القوى الفلسطينية، وبين الأشقاء في مصر، وبما يتعدى مسألة حماية الحدود والتعاون المعلوماتي على أهمية ذلك.


وبصفة عامة وعلى نطاق أوسع، لا بد من أن تؤدي هذه العملية إلى إيقاظ الوعي القومي العربي، إزاء ضرورة تحديد العدو الأول والأساسي، الذي يقف وراء هذه الجماعات، ومن أجل استكمال مخطط تفتيت وتقسيم الدولة الوطنية، حتى تسهل السيطرة على مقدرات وثروات المنطقة.


المخاطر والأطماع، من المحيط الإقليمي، تحاصر المنطقة العربية من كل الجهات، غير أن المنطقة أيضاً تتعرض، لمخاطر الصراع بين القوى الكبرى، التي تحاول اقتسام النفوذ. 


وفي ضوء تعدد المخاطر والأطراف لا بد من تحديد الخطر الأساسي الداهم الذي يجب مواجهته، وأيضاً الوسائل والتحالفات التي يمكن تجنيدها لحماية المصالح العربية.


ثمة قدر من الجهل، الذي لا تبرره، التدخلات الخارجية التي تعرضت لها المنطقة العربية منذ ما يعرف بـ"الربيع العربي"، وثمة مراهنات في غير محلها حين يعتقد بعض العرب، أن الخطر الأساسي هو بين السنّة والشيعة، والمراهنة على حماية أميركية إسرائيلية. 


الولايات المتحدة، التي تقف وراء خلق هذه الجماعات الإرهابية، وتؤمّن لها الدعم، تعتمد استراتيجيات مختلفة، حيث إنها تشجع على خوض معاركها من أجل مصالحها من خلال أطراف أخرى أي بالوكالة، وبحيث يتحمل هؤلاء التكاليف الباهظة التي تستدعي هذه المعارك.


إسرائيل هي أيضاً صاحبة مصلحة استراتيجية، في تأجيج التحريض والتوتر بين المسلمين، وبين الدول العربية أيضاً، ودعم الجماعات الإرهابية من أجل توسيع نفوذها ودورها في المنطقة. ألا يلفت النظر أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تتعرض لهجمات الجماعات الإرهابية، التي تنجح في اختراق حصون أمنية لدول كبرى؟.


وتحاول إسرائيل إرغام بعض العرب على تطبيع العلاقات معها على خلفية، مواجهة ما تدعي أنه خطر مشترك، يتمثل في النفوذ الإيراني، الذي يتوسع في المنطقة، ويشكل تهديداً لإسرائيل كما لتلك الدول العربية.


إسرائيل تسعى لأن تحصل على تطبيع علاقاتها، وتطوير تعاونها مع الدول العربية من دون أن تدفع ثمن ذلك عَبر تسوية مجدية ومقبولة مع الفلسطينيين، على اعتبار أنها دولة قوية قادرة على معادلة أو التفوق على القوة الإيرانية. 


سيكتشف هؤلاء المتحمسون لإقامة علاقة مع إسرائيل ولكن بعد مرور الكثير من الوقت والكثير من الخسائر الاستراتيجية انهم ما فعلوا سوى أنهم أدخلوا الثعبان السام إلى أحضانهم.
وإذ نقدر مدى الخوف الذي ينتاب بعض الدول العربية من وصول الحرائق إلى بلدانها وأنظمتها السياسية، فإن الحل الممكن والميسور لا يمكن أن يكون سوى بتكتل الجماعة العربية، والاعتماد على القوة العربية، ما يستدعي دعم وتقوية مصر الكبيرة القادرة على حماية المصالح العربية. 


وبصراحة فإن إصدار بيانات الاستنكار والشجب والتضامن مع مصر، في مواجهة محنة كالتي عبرت عنها العملية الإرهابية الأخيرة، لا يكفي، ولا يضمّد جراحاً. 


المسألة ليست مسألة عواطف وتضامن، وإنما من يريد أن يحمي نفسه من العرب فإن عليه أن يقدم كل الدعم المادي والسياسي للقلعة العربية المتقدمة التي أغاظت قوى التآمر حين نجحت في إفشال مخططات التقسيم التي استهدفتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد