انتهت جولة الحوار بين الفصائل في القاهرة دون أن تفضي إلى نتائج ذات قيمة، ودون الحد الأدنى من توقعات الفلسطينيين المتلهفين لطي صفحة الانقسام التي كتبت بحبر أسود في تاريخ القضية الفلسطينية.


المتابع لـ»ورشة العمل» في القاهرة، إن صح التعبير، والتي شارك فيها العشرات من ممثلي قوى وفصائل لم يعد لبعضها وجود على أرض الواقع، وتصريحاتهم المتناقضة، يلاحظ مدى التخبط والرؤية المحدودة عند كثير من القيادات للمفهوم الحقيقي للمصالحة التي يتوقف عليها مصير الشعب الفلسطيني غير المستمع لمطالبه الحقيقية من هذه اللقاءات.


نتائج الجولة الأخيرة في القاهرة يمكن وصفها بـ»المتشائلة» وفق تعبير أديبنا الكبير إميل حبيبي، في ظل المواقف المتناقضة، بعيداً عن دبلوماسية بعض التصريحات الإعلامية المجاملة، ما يؤكد التيه بين التفاؤل والتشاؤم. 


يبدو أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت، وهذا بحد ذاته يضعنا في خانة التشكيك بمحصلة اللقاءات والحوار الواسع، وحتى مطلع الشهر المقبل لا بد من وضع النقاط على حروف التشاؤم أو التفاؤل.


في القاهرة، خرجت أصوات متناقضة، البعض يؤكد أن النتيجة أقل من ضعيفة، فلا رفع للحصار ولا تحسين للأوضاع المعيشية، ولا حل لقضايا مثل الكهرباء والماء والموظفين، وبالتالي فكل ما كان متوقعاً من بدء جولات المصالحة الأخيرة لم يتحقق، والخاسر هو المواطن.


في الجانب الآخر، هناك من يقول إن القضية الأساسية هي تمكين الحكومة، لأنه حتى اللحظة لم يتم الإيفاء بشرط التمكين وبالتالي لا بد من تحقيق هذا الشرط أولاً.


حقيقة الأمر ليس في أن تمكين الحكومة هو المشكلة الوحيدة، فالأيام الماضية حملت بذور مواجهة في قضايا خطيرة منها الأمن والسلاح والمقاومة، وهي ألغام قابلة للانفجار، ومن غير المقبول أن تناقش من خلال وسائل الإعلام، وأن يترك لكل من هب ودب الحديث عنها.. هذه القضايا تناقش فقط بين أصحاب القرار الفعلي، وخلف الأبواب المغلقة، وبنوايا وطنية خالصة.. دون ذلك نعود لنقطة البداية وأحجية البيضة والدجاجة أيهما أسبق!   


أما القضايا الأخرى مثل إصلاح منظمة التحرير والانتخابات، فيمكن الاتفاق عليها، وإن كان ذلك لا يصب في مصلحة الفصائل التي ليس لها تمثيل مطلق على الأرض، أو تمثيل ضعيف جداً.. لأن مجمل الفصائل  المؤثرة لا يزيد عددها على سبعة...


الدور الحاسم اليوم هو للشقيقة مصر، التي زجت بكل ثقلها هذه المرة للخروج من المأزق، والدوران في حلقة مفرغة من اتفاق مكة وحتى اليوم.. ومن الواضح أن القاهرة لن تقبل بفشل مساعيها لطي صفحة الانقسام في ظل تطورات إقليمية وعربية خطيرة، تنعكس على القضية الفلسطينية، والتي شئنا أم أبينا هي جزء من الأمن القومي المصري. ولهذا فإن القوى والفصائل المشاركة حذرة جداً من أن تكون سبباً في الفشل، لأنها تعي اليوم أهمية الدور المصري والعواقب.. ولا عجب في ذلك أن نرى أن بعض القادة تراجعوا عن تصريحات أطلقوها بعد ساعات، لأنه لا مجال اليوم للقفز عن المراقبة والمتابعة المصرية.


الإيجابي، هو وصول الوفد الأمني المصري إلى غزة الأسبوع الجاري، حيث سيتابع ما تم إنجازه على صعيد تمكين الحكومة، وأيضاً مجمل القضايا الحساسة التي تحمل بذور الخراب. 


الثقل المصري أصبح الضامن الوحيد لإبقاء الحياة في روح المصالحة، ومن هنا يأتي التفاؤل الحذر بالتوصل لحل الإشكاليات وإن كان بسرعة السلحفاة.


ومع نهاية الجولة الأخيرة من مباحثات المصالحة، دعونا نعبر عن المشكلة الحقيقة دون تجميل وهي نظرة الفصائل الكبرى لقطاع غزة .. هذه النظرة القائمة على قاعدة أن القطاع أصبح كرة ملتهبة، الابتعاد عنها مغنم، والقبول بها على أساس «مكرهاً أخاك لا بطل». فحركة حماس أدركت متأخراً جداً أن حكم القطاع مكلف جداً مالياً واجتماعياً وخدماتياً والأخطر جماهيرياً... فهي لم تعد قادرة على تحمل الأعباء، والالتفاف الجماهيري حولها أصبح دون الحد الأدنى المطلوب، والخدمات أضحت شبه متوقفة، وكأن الوضع تراجع خمسين عاماً إلى الوراء! لذلك من الأفضل التنازل عن الحكم المباشر وتبعاته غير المطاقة، ولكن بأقل الخسائر الممكنة التي لا تؤثر على وجود الحركة أو ديمومة قوتها، وهذه معادلة صعبة.


حركة فتح محقة في تفكيرها، لماذا تحمل الكرة الملتهبة وتنقذ «حماس» من مأزقها، وهي المسؤولة عن الانقسام وتبعاته.. كما أنها لا ترغب في عودة السلطة من منظور «الصراف الآلي» فقط دون التمكين المطلق .. وهي ترى أن الالتفاف الجماهيري حولها في ازدياد، ومثال ذلك مليونية إحياء ذكرى الرئيس الشهيد ياسر عرفات في غزة، إذن، لماذا الاستعجال؟ 


وعليه، نؤكد أن المصالحة تتمحور حول «التشاؤل»، وسيكتب التاريخ الفلسطيني بحروف من نار أو نور من المسؤول عن النجاح أو الفشل؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد