يبدو أن العرب هذه الأيام لم يكتفوا بعدم العمل بالحديث الشريف القائل "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" فقرروا العمل بعكس مضمونه وبخلاف معناه، فلم يعودوا يقولون خيراً أو يلتزمون الصمت، بل أكثروا من قول الشر ومقولة السوء، وعندما صمتوا كان صمتهم أسوأ من قولهم وسكوتهم أردأ من كلامهم، وإلاّ كيف نُفسّر مدحهم المتكرر وإشادتهم المستمرة لعدو الأمة ومصدر إهانتها – الكيان الصهيوني – والاكتشاف المذهل بأنها ليست العدو، بل الصديق والحليف والقريب وابن العم. في حلقات متتالية من مسلسل العشق الممنوع المقابل صمتهم المشبوه أمام جرائم الإرهاب الصهيوني في فلسطين وخلو بيان الجامعة العربية الأخير من إدانة للإرهاب الإسرائيلي بينما يصف البيان حزب الله بأنه منظمة إرهابية ويصمه بالإرهاب.
وصم حزب الله بالإرهاب في قرار الجامعة العربية الأخير يوم الأحد الماضي في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة قرار سياسي يُشم من رائحته البترودولار السعودي الذي يشتري المواقف السياسية من الدول العربية وغير العربية بالمال السياسي الذي يوّفره فائض إنتاج البترول خاصة بعد تراجع الدور الإقليمي لدول عربية مركزية بفعل لعنة الربيع العربي المسمومة كمصر وسوريا والعراق، فيصبح مال البترودولار وتيار الوهابية وفروعها العديدة أدوات بيد المملكة السعودية لتحقيق أهدافها السياسية الخارجية التي تدور في محصلتها النهائية لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية الإسلامية، ومن هذه الأهداف إضعاف حركات المقاومة والنهضة والثورة في المنطقة ووصم حزب الله بالإرهاب يصب في هذا الاتجاه.
وهذا القرار البائس مرتبط بالصراع الإقليمي في المنطقة الذي تُعتبر المملكة السعودية أحد أقطابه الرئيسية، ولكنها القطب الذي يخسر باستمرار أمام القطب الآخر (إيران) في كل مناطق الصراع، بل يخسر داخل مجاله الإقليمي في اليمن وقطر، ولم تجد مئات مليارات الدولارات نفعاً ولم تزدها إلاّ خسارا؛ ولذلك لجأت إلى توجيه ضربة معنوية إلى أحد عوامل القوة في صراع إيران ضد السعودية وهو حزب الله، وهذا يترافق مع افتعال فتنة سعد الحريري المغلوب على أمره في لبنان لخلط الأوراق وتفجير أوضاعه الداخلية المستقرة لإيجاد بؤرة توتر جديدة في ساحة الصراع المفتوحة التي تدفع الأمة من دماء وأرواح أبنائها وقوت وثروات شعوبها الكثير.
والقرار مرتبط أيضاً بالحلف المزنف الآخذ في التشكل في المنطقة بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية وأذنابها، فهو عربون محبة لتطوير العلاقات العربية مع إسرائيل التي يسميها نتنياهو (الدول العربية السُنّية) ويعتبر هذا التحول بوصم حزب الله بالإرهاب بعد قرار دول مجلس التعاون الخليجي قبل أكثر من عام باعتبار حزب الله إرهابياً "إننا نعتبر ذلك تحوّل إيجابي مهم ومذهل للغاية، هناك دول كثيرة في منطقتنا تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى إن إسرائيل ليست عدوة بل هي تقف إلى جانبها في كفاحها ضد إيران". فلا يوجد هدية أكبر من هذه يقدمها العربي للكيان الصهيوني تقرباً إليه اعتقاداً وهمياً منهم أن التحالف مع دولة (إسرائيل) هو الوصفة السحرية التي ستحمي عروشهم التي نخر فيها السوس، والتي ستجعلهم أكثر قرباً من سيدهم الأمريكي، دون أن يعلموا أنهم قد لجأوا إلى بيت العنكبوت واستندوا إلى جدارٍ مائل.
والقرار العربي في عدائه لحزب الله ينسجم والموقف الإسرائيلي المعادي لحزب الله والذي يعتبره تهديداً مركزياً للدولة العبرية كما جاء على لسان قادة العدو في محافل ومناسبات عديدة وأهمها مؤتمر هرتسيليا السابع عشر في يونيو من هذا العام 2017، ومنهم رئيس أركان حرب العدو غادي آيزنكوت الذي قال في المؤتمر " إن حزب الله يشكل التهديد المركزي الأول ضد إسرائيل" ونقلت مختلف وكالات الأنباء وجهات نظر العديد من المشاركين في المؤتمر ومعظمهم أكد أن الخطر الأكبر على إسرائيل يتمثل في التهديد المحتمل الذي يشكله حزب الله على حدودها الشمالية، وأن حزب الله اللبناني أكثر التنظيمات تهديداً لأمن إسرائيل من حيث قدراته الصاروخية والقتالية، إلى جانب منظمات المقاومة الفلسطينية ك حماس والجهاد.
والقرار العربي بوصم حزب الله بالإرهاب يتناقض مع تعريف الإرهاب حسب الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية التي تُعرّف الإرهاب بأنه "الاستخدام غير المشروع للعنف أو التهديد باستخدامه وتعريض حياة الأبرياء للخطر لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة، سواء قام بهذا الفعل فرد أو جماعة أو دولة". وما قام به حزب الله منذ نشأته ينطبق عليه مفهوم الكفاح المسلح ضد الاحتلال والمقاومة المسلحة ضد الاستعمار، فهو حركة تحرر وطني أو حركة مقاومة إسلامية حررت لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، وتصدت وطردت الغزو الإسرائيلي للبنان مرة أخرى عام 2006، ودعمت حركات المقاومة الفلسطينية بالتدريب والتسليح باعتبارها حركات تحرر وطني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية