التطورات التي تمر بها المنطقة وخاصة على صعيد العلاقات الإيرانية - العربية تنذر بتدهور متسارع ومواجهات محتملة قد لا تصل بالضرورة الى المواجهات العسكرية في هذه المرحلة، ولكنها قد تصل لذلك في مراحل متقدمة، فالمملكة العربية السعودية تعتبر أن إيران تجاوزت الخطوط الحمر وأعلنت حرباً على السعودية بتزويدها الحوثيين بصواريخ وصلت الى العاصمة الرياض، وهي بالمقابل تقود معركة شرسة الآن ضد إيران، ويبدو ان المعركة هذه بدأت بلبنان وتحديداً بحزب «الله». وفي هذا السياق تشكل استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري الخطوة الأولى، والآن أقدمت الجامعة العربية على خطوة إضافية في المواجهة مع إيران باعتبار حزب «الله» منظمة إرهابية. 


ربما لا يوجد شيء بالآونة الأخيرة يثلج صدر إسرائيل مثل هذا التصنيف العربي للحزب، وهو يتساوق فقط مع الموقفين الأميركي والإسرائيلي، ولعل ردود الفعل الإسرائيلية المرحبة هي أوضح إشارة الى التغيرات العميقة التي تشهدها المنطقة والتسارع في الهرولة العربية باتجاه إسرائيل.


اسرائيل تعتبر حزب «الله» تهديداً جدياً في الشمال يفوق تهديد الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة ، وبعد حرب عام 2006 حصل نوع من توازن التهديد على الجبهة بين حزب «الله» وإسرائيل، وهو بعيد عن توازن القوة، ولكن أية حرب ممكن ان تخوضها اسرائيل ضد حزب «الله» ستكون مكلفة وتصل عميقاً في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وقد تصل الى مستوى ضرب بعض المواقع الحساسة بما فيها مصافي البترول ومحطات الطاقة ومستودعات الغازات السامة، ومواقع عسكرية ومدنية كثيرة، وترى اسرائيل ان الحرب في سورية ساهمت في تعزيز قدرات حزب «الله» الصاروخية بالحصول على صواريخ إيرانية وربما روسية اكثر تطوراً من تلك التي يمتلكها الحزب قبل ذلك على الرغم من تعاظم قوته بعد حرب 2006. كما ان انتشار حزب «الله» في سورية بالقرب من المناطق المحتلة في هضبة الجولان وكذلك هو حال القوات الإيرانية الموجودة هناك.


من صالح إسرائيل بكل تأكيد ان تتحول المواجهة من إسرائيلية ضد حزب «الله» الى عربية ضده، وان تتحول لبنان الى ساحة غير مستقرة مليئة بالمشاكل والمواجهات التي يضطر حزب «الله» للانشغال بها، والتي قد تصبح حالة من الاستنزاف لمقدرات لبنان. وان تسير لبنان على مسار الحرب التي لا تزال دائرة في سورية والعراق واليمن وليبيا. وهي حروب للدول العربية ضلع فيها في سياق عملية التدمير الذاتي التي يمر بها العالم العربي، والتي لا تخدم سوى مصالح القوى الاستعمارية بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل.


الغريب ان المواجهات التي تجري او تلك التي يحضر لها تأتي في وقت يتم فيه التآمر على ما تبقى من القضية الفلسطينية والمصالح الحيوية العربية. المواقف العربية فيما يتعلق بخطة الادارة الأميركية التي يطلقون عليها « صفقة القرن »، ليست مبشرة، بل لقد اضحى واضحاً ان إدارة الرئيس دونالد ترامب يمكنها الاعتماد على مواقف بعض الدول العربية للضغط على القيادة الفلسطينية لتمرير الصفقة. واذا كان ما نشر في الاعلام الاسرائيلي حول الخطة الأميركية بأنها لا تتحدث عن حدود واضحة للدولة الفلسطينية، أي انها لا تقوم على حدود العام 1967، ولا تشمل القدس ولا ازالةَ مستوطنات ولا عودة بل لا حل من اي نوع لقضية اللاجئين الفلسطينيين، حتى عودتهم الى أراضي الدولة الفلسطينية بناءً على الشروط الإسرائيلية التي تحدثت عنها نائب وزير الخارجية تسيبي حطوبيلي، فنحن مقدمون على مواجهة مع الادارة الأميركية، وهذه المواجهة بدأت فعلاً بعدم التجديد لمكتب منظمة التحرير في واشنطن، وهو عموماً أقل من مستوى سفارة أو ممثلية دبلوماسية حقيقية.


العالم العربي على ما يبدو مشغول بحروب لا طائل منها، والتركيز على المواجهة مع إيران وحزب «الله» واستبدال إسرائيل كعدو بهما، سيضع إسرائيل في وضع مريح جداً مقابل الشعب الفلسطيني، ويهدد بضياع أية فرص جدية للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لضمان انتهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.


ربما يحق للسعودية ودول عربية أُخرى ان تغضب من إيران وتدخلاتها في المنطقة العربية، ولكن المشاكل مع إيران يمكن تسويتها عن طريق الحوار، ودون تدخل إسرائيلي. بل يجب البحث في تعزيز أشكال التعاون مع كل الأطراف الإقليمية والدولية على قاعدة المصالح المشتركة لما فيه خير الجميع، وبما يضمن تفعيل أكبر ضغوط ممكنة على إسرائيل التي باحتلالها تساهم في تمزيق العالم العربي والإضرار بمصالح الأمة. وموضوع حزب «الله» ينبغي ان يبقى حله في إطار الدولة اللبنانية والتوافق بين مختلف مكوناتها، دون صب الزيت على النار وتقويض استقرار وأمن لبنان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد