من نكد الانقسام الى جنة المصالحة
المصالحة, التي جاءتنا (على عطش) ,مثل (المولود الخداج) ,بحاجة ملحة الى رعاية وغذاء واهتمام يومي, والى أطباء(سياسيين ووطنيين) مهرة لإنقاذ هذا المولود ومنحه فرصة الحياة, وليست بحاجة الى سموم أو ادوية مثيرة للأعصاب.
الانتقال من (نكد) الانقسام الى (جنة) المصالحة, له الكثير من الاستحقاقات وعليه الكثير من التخوفات والشكوك والتحديات, ومن يعتقد ان الامور - بعد 11 عاما من المنغصات والمناكفات –ستسير بدون عراقيل فهو مخطئ وجاهل بسنن التغيير.
في مرحلة الانتقال يتمايز المحبون والحريصون عن المتشككين والكارهين والمغرمين بمقولة (مش قلنا لكم) !!
البعض– المفتقد للصبر والوعي والحكمة- مسكون بالاستعجال في قطف الثمار, ومهووس بإصدار الاحكام على المصالحة في أيامها الاولى, ويتلذذ بالتقاط الاخطاء وتصيد السلبيات وتكبير العثرات لاثبات ان المصالحة محكوم عليها بالفشل.
هؤلاء هم أعداء المصالحة الاخفياء !!
هناك من ينحرف/ينجرف اكثر (ليجتهد) في البحث العقيم- والعبثي- عن بدائل للمصالحة حال الفشل.
لا يوجد بديل للفشل الا فشل أكبر منه.
الفشل أو العودة للوراء ستكون اكبر واخطر زلزال يضرب العمود الفقري للمشروع الوطني.
آن لنا أن نقتنع ان عيوننا مركبة في أجسادنا من اجل النظر الى الامام وليس الرجوع للخلف!
نحن امام اختبار حاسم, فإما ان نثبت اننا مؤهلون لمرحلة التحرير من خلال انجاح خطوة المصالحة, واما اننا عاجزون/فاشلون عن حمل المسئولية الوطنية, ولا نستحق العيش على هذه الارض وحمل اسم فلسطين.
يجب دعم المصالحة - رغم ما يحمله كل واحد فينا من اعتراضات وتخوفات وشكوك -, لسبب واحد فقط :لأنها الخيار الاوحد, الخيار الافضل, والخيار الذي يعكس النضوج الوطني, والاهم من ذلك انها محل اجماع وطني لا خلاف عليه.
ومن لديه خيار آخر فليأتني به !!
الذين يكرهون المصالحة انما يكرهون الوطن.
(2) حماس حسابات الربح والخسارة
يحسب لحماس أنها قامت بخطوات جريئة غير مسبوقة, تسجل لها في الرصيد الوطني ,واثبتت مصداقيتها وقدرتها على اتخاذ خطوات استثنائية رغم الكثير من الاعتراضات والتأويلات الفاسدة والمشككة.
لقد أبطلت حماس كل الشكوك والاوهام التي كانت تنسج حولها من رفض المصالحة وادعاءات دولة غزة وتخرصات الاجندة الاقليمية, والتي تبخرت كلها مع حل اللجنة الادارية وتمكين الحكومة من القيام بمهامها في غزة.
يحسب لحماس انها نجحت في اختبار التنفيذ هذه المرة ,والزمت كل قواعدها بنصوص الاتفاق وقدمت خطوات سياسية ذكية غيرت من مزاج الشارع والرأي العام ,والقت بكرة المسئولية عند السلطة وحركة فتح.
الذين يتهمون حماس بأنها تراجعت وخسرت, أميون في علم الحسابات السياسية , لأنها لم تخسر شيئا, بل ربحت الكثير.
واذا كانت خسرت شيئا من مفاصل الحكم فإنها ربحت ذاتها والجمهور, ويكفي ان خطواتها هذه نالت ثقة ودعم الشارع والمؤسسات والفصائل.
لقد وضعت الحركة أقدامها على المسار الصحيح بعد سنوات من التيه السياسي والارهاق الحكومي والاستنزاف الاقتصادي ,وخرجت من (ضيق) الاتهامات والادانة الى (سعة) التفرغ لتأسيس مرحلة جديدة تقوم على الشراكة والحوار واعادة الاعتبار للمشروع الوطني.
يجب الا تصغي قيادة حماس الى المرجفين أو المراهنين/المنتظرين للفشل ,وعليها الاستمرار في طريقها بكل قوة مهما واجهت من عثرات وعراقيل.
الصبر مطلوب في هذه المرحلة, والمتعجلون دائما يخسرون.
(3) ليست مجرد استلام حكومة!!
ضيقو الافق, ومحدودو الرؤية يحصرون/يحشرون المصالحة في استلام حكومة أو سيطرة على معابر أو استبدال اجهزة بأجهزة.
أو أنها مباراة بين فريقين لتحديد من الخاسر والرابح ,
أو هي فخ لاختبار نوايا الاخر وتسجيل النقاط ضده..
او (شطارة) في التوريط او التهرب من المسئولية ..
او مجرد تقاسم وظيفي بين حماس وفتح..
هذا فهم مريض وعقلية جاهلة !!
لذا تجد ان هذه (الفرقة) تشرع في وضع العقد واستجلاب المشاكل المستقبلية ونثرها في فضاء المصالحة , من خلال تصريحات متعجلة ومزعجة , فتراها تارة تقفز الى استحضار مشكلة الامن, واعتبارها محددا وحيدا لنجاح المصالحة ,وكأن الامن هو كل شيء ,أو غنيمة يجب الاحتفاظ بها ,وتارة تثير عاصفة الجدل حول سلاح المقاومة, وكأن هذا السلاح تهديد خطر للديمقراطية ومزعزع لحالة الاستقرار ووحدة النظام السياسي , وليس رمزا لكرامة وحرية الشعب الذي -منذ قرن- وهو يحمل السلاح.
ان شعار ( فتح ) لا يزال يحمل البندقية على رايته الصفراء منذ خمسين عاما.
وتارة ثالثة تجرنا الى مربعات الخلاف و(تتمحك) في اجترار مصطلحات (استعادة الشرعية ) أو (بسط السيادة) ,وكأنها (عملية تحرير) لمنطقة محتلة!!.
وبدل أن يجعل هؤلاء من مسألة تمكين الحكومة فرصة لترسيخ أقدام المصالحة يحولونها الى( مسمار جحا) لوضع الالغام وتشويش عقول المواطنين.
لم يمنع أحد حكومة الوفاق من تولي كافة مسئولياتها في غزة, بل فتحت أمامها الوزارات والمؤسسات والسلطات والمعابر. صحيح ان بعضها بحاجة لاستكمال , وبعضها الاخر يحتاج لمعالجة توافقية.
مفهوم (تمكين الحكومة) يجب ان يكون واضحا ومحددا, حتى لا يصبح فريسة التأويلات والاجتهادات المبعثرة , وحتى لا يتحول الى عصا في دولاب المصالحة.
واذا كان البعض يرى ان الامن –على أهميته- هو (مفتاح) التمكين فهو مخطئ ,لان قضية الامن مطروحة للنقاش الوطني الموسع وليس لمجرد الاستهلاك واختلاق المعاذير, وليس من الحكمة استدعاؤها الان في ظل هذه الحالة (الرخوة).
للان, الخطوات التي تمت جيدة, وتشي بأن الامور تسير في الاتجاه الصحيح , رغم بعض المنغصات هنا أو هناك, وهي امور يمكن التغلب عليها بشيء من الصبر والحكمة.
كان من المفترض من الحكومة -في سلوكها الميداني- تعزيز روح الشراكة الوطنية من خلال العمل المشترك ,وهو امر تجسد في بعض الوزارات وغاب عن أخرى.
المواطنون توقعوا من الرئيس ابو مازن او الحكومة الرد بخطوات ايجابية من اجل ترسيخ مفاهيم الشراكة في الافعال والخطوات , وان يروا شيئا من ثمرات المصالحة,مثل اعادة الكهرباء الى غزة المحرومة وليس استخدامها ورقة ضاغطة ,كما انه ليس من المنطق سوق تبريرات لإبقاء معبر رفح مغلقا !!
الحسابات الكثيرة والحذرة – والمتشككة للرئيس تضع المصلحة أمام معضلة كبيرة , وخشيته من ان حماس لا تزال تسيطر على غزة بسبب جيشها القسامي ليس مبررا لإبطاء عجلة المصالحة .
حماس لا تريد السيطرة على غزة بقوة القسام ,بل تؤمن ان الشراكة الوطنية-مع الجميع- هي افضل وأقوى سلاح يمكن ان يواجه المخاطر التي تعصف بالمشروع الوطني.
يجب الا نقتل المصالحة بجنوح الهواجس والشكوك.
كل القضايا ينبغي ان توضع على الطاولة بلا تردد ولا استحياء , سواء موضوع السلاح ,البرنامج السياسي ,الامن , المنظمة او غيرها , حتى تعالج معالجة وطنية غير حزبية , وما نتفق عليه يكون هو الملزم.
لا يحق لاحد ان يحتكر الحقيقة ,ولا فرض الاحكام المسبقة , فكل القضايا خاضعة للنقاش والاجتهاد.
(4) فرصة ذهبية
المصالحة – اذا ما اديرت وعولجت بمهنية وتجرد وطني- ستكون بداية التحول الصحيح نحو رسم معادلة وطنية جديدة تنهي الصراع/الصداع المحتدم بين فتح وحماس ,ومن ثم تلم شمل القوى السياسية تحت مظلة وطنية واحدة ,تخرجنا من نفق ونكد الصراعات اللامبررة الى ساحة العمل والتخطيط ورسم مستقبل لشعبنا.
لذا أؤيد ما يكرره الاخ ابو ابراهيم السنوار :(لا عودة للوراء..), وانه يريد لحماس ان تكون طرف مصالحة لا طرف انقسام .
المصالحة منظومة وطنية متكاملة , ركنها الاول الثقة, وثانيها توفر الارادة, وثالثها الشراكة الحقيقية الجمعية, وعمود خيمتها الاستراتيجية الشمولية التي تعيد صياغة المشروع الوطني وتجديد النظام السياسي.
ان لم تتوفر الثقة-خاصة بين حركتي حماس وفتح- فان كل شيء قابل للهدم, لذا لابد من تعزيزها , ليس في اطار السلطة والحكومة فحسب ,بل في العمل الوطني والنشاط السياسي.
ولان المشروع الوطني في خطر, ولان المنطقة تتعرض الى عواصف مجنونة تريد ان تجرنا الى حل اقليمي تافه وهزيل, فان الفريضة الوطنية تملي علينا التحلي بأعلى درجات المسئولية الوطنية.
ليس لدينا ترف من الوقت للمشاغلة والمناكفة او ارجاع المواطنين الى مربع المزايدات والمناكفات.
الان توجد فرصة حقيقية لملمة الصف والخروج من (ظلمات) الخلافات والتحزبات وتبعثر البرامج وتوهان البوصلة..
من الضروري ان ننتهي من كثرة/دوامة الحوارات والاتفاقات وننتقل الى ساحات العمل.
لابد من الانتهاء من مرحلة التمكين الحكومي , ومن ثم الانتقال الى المرحلة التالية ذات البعد السياسي /الوطني ,لانها هي الاهم ,كونها يترتب عليها معالجة قضايا المنظمة والانتخابات والبرنامج السياسي واعادة رسم العلاقات الوطنية.
البرنامج السياسي هو الاصل الذي يجب أن تبنى عليه كل هذه المكونات.
يجب ان تقتنع السلطة بان برنامج اوسلو فاشل ويجب استبداله باستراتيجية وطنية جديدة تخرجنا من حالة التيه, لذا الاصرار على برنامج منظمة التحرير كخيار وحيد يناقض الواقع والرغبة الوطنية والحسابات السياسية الصحيحة.
أمامنا فرصة حقيقية لصناعة تاريخ جديد وصفحة بيضاء لشعب يستحق حياة أفضل.
لا تجعلوا الاجيال تلعننا لأننا أضعنا فرصة استعادة فلسطين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية