المألوف والمسلمات المصطنعة تشبه تماما المياه الراكدة التي تتحول بمرور الوقت الى مياه آسنة، وكذلك الفكر المغلق يتحول الى طبقة من تراكم القاذورات، وهنا أتذكر قصة لا راوي لها عن طالب جامعي مغترب يحب أكل علب السردين ويلقي المعلبات تحت سريره لتتراكم دون أن يشعر برائحتها الكريهة مع مرور الوقت، وعند زيارة صديق قديم يكتشف رائحة تزكم الأنوف، ويعاتب صديقه الذي يرد أنه لا يشم أي رائحة غريبة، فيقرر الضيف أخذه جولة في الهواء الطلق وحديقة جميلة برائحة الأزهار ثم يعيده الى شقته، حينها يشعر بالفارق.

هذا حالنا مع التاريخ وروايته التي دونتها السلطة السياسية وحلفاؤها من رجال الدين، أما الثوار ودعاة التغيير فغالبا ما تموت معهم حكايتهم أمام قهر العامة والسلطة في سراديب اليأس وغياهب الجهل.

 

المفكر الاسكندراني المرموق د. يوسف زيدان حاول أن يلقي بعض الحجارة في البرك الآسنة .. عفوا، لماذا آسنة؟

من يرى واقعنا البأس يدرك كم هي كبيرة هزائم وهفوات الماضي، ويرى أن الأوائل أسسوا بقوة لبنيان الظلم والجهل والبؤس، بالأفكار المدونة في كتب ملونة بفضل النفط، فضلا عن نماذج الأبطال في تاريخ مليء بالهزائم والفقر منذ الولاء للغساسنة والمناذرة حتى البيعة بحكم السيف أو بإغراء المال، واخراج العظام من القبور وجلدها، والخلافات الدموية على الخلافة الى الدول وريثة الاستعمار والقابلة للاستعمار.

 

ما يطرحه المفكر يوسف زيدان يحتاج مقارعة موضوعية في مناظرة الفكرة بالفكرة، والوثيقة بما هو أقوى منها في ساحة الحرية وعلى منابر متكافئة، دون تجريح وتهويل وشتائم واصرار على تقديس البشر وحقب زمانية غابرة جوهرها الظلم ونهب الثروات من مجموعات مغلقة حتى التخمة.

 

كفلسطيني لا يرضي موروثي التشكيك في المسجد الاقصى، لكن العقل والموضعية لدي لا تقدمان اجابة على سؤال لماذا لم يصل الصحابي عمر بن الخطاب في المسجد الأقصى بعدما خرج من الكنيسة وقت صلاة العصر؟، ودون غرق في عبر التاريخ فنحن أمام حقيقة مهمشة مفادها أن هدم الكعبة أو الأقصى أهون من قتل مؤمن، وكم مؤمن قتل تحت راية الشعارات والخطابات التي لم تحفظ الحقوق، وفي المضمون فليقل المفكر زيدان ما يراه علما أو رأيا ومن حق الأخرين الرد بالعلم الموثق والرأي الرزين.

 

أمام واقعنا البائس والانهيارات المتتالية والمخاطر المتسارعة نحن ننتظر من يرجم حالنا ويلقي بحجارة الوعي والتفكير في المياه الراكدة، من أجل اعادة النظر في كل المسلمات والافكار والروايات والنماذج التي أوصلتنا الى هذا الأفق المسدود، من أجل بناء واقع أفضل.. من أجل اطفالنا ومستقبلنا بدلا من الجري نحو الجدار، فلنستمع لمن يقرع جدار الخزان قبل الهاوية المنظورة بالعين البصيرة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد