عندما أعلنت سلطات الاحتلال عن مخطط  «E1» الاستيطاني، فإنها كانت تهدف إلى إغلاق منطقة القدس بشكل كامل أمام الفلسطينيين، وإقامة تواصل جغرافي بين مستوطنات ما يسمى «حزام القدس»، وتحقيق أحلام الاحتلال بإقامة القدس الكبرى، والقضاء بشكل نهائي على إمكانية أي تقسيم للمدينة في المستقبل، والقضاء بالتالي على إمكانية تحقيق حل الدولتين.


المخطط الاستيطاني الإسرائيلي عملياً بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي قبل توقيع اتفاق أوسلو، ولكن ملامحه بدأت تتضح بعد العام 2005 من خلال قرارات توسيع مستوطنة «معاليه أدوميم» المقامة على الأراضي الفلسطينية شرق مدينة القدس، والتي تزيد مساحتها على مساحة تل تل أبيب!.


يهدف المخطط، أيضاً، إلى فصل حقيقي بين وسط الضفة وشمالها من جهة، وبين جنوبها من جهة ثانية، لأن مقطع «E1» هو حلقة الوصل الأخيرة بين شمال الضفة ووسطها مع جنوبها.


كما سيحقق المخطط للاحتلال إمكانية عزل منطقة الأغوار بشكل كامل عن باقي مناطق الضفة الغربية.


عمليات جسّ النبض الإسرائيلية بدأت قبل أكثر من 10 سنوات، ولكن هذا المخطط واجه بعد الإعلان عنه غضباً فلسطينياً ومواجهات حادة مع قوات الاحتلال، وكاد يؤدي إلى إغراق المنطقة في حمّام دم في حينه. ووقتها كانت المواقف الأوروبية واضحة وقوية، وحتى الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما كان لها موقف واضح من هذا المخطط تمثل في رفضه بشكل كامل لأنه يعني فعلياً القضاء على أي إمكانية للتقدم في مسيرة السلام؛ ما أجبر الحكومة الإسرائيلية على تجميد المخطط.


أعلنت سلطات الاحتلال عن تجميد المخطط، ولكنها فعلياً بدأت تنفّذه على أرض الواقع ببطء شديد، من خلال شق الطرق الاستيطانية وربط المستوطنات في منطقة شرق القدس مع بعضها، وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية على مدى السنوات الماضية، وخاصة في مستوطنة «معاليه أدوميم» والمستوطنات المجاورة.


وفي هذا السياق، كان الهدف من إعادة تأهيل طريق المُعرّجات الواصل إلى مدينة أريحا إيجاد بديل من طريق رقم 1، وما سمي بطريق السلام الإقليمي، بحيث يمنع الفلسطينيون من استخدام طريق أريحا ـ القدس التاريخي وتحويل المسار إلى المُعرّجات.


حكومة نتنياهو تعتبر أنها تمر في فترة ذهبية لمواصلة الاستيطان وتكثيفه في ظل صمت إدارة ترامب التي تضم عناصر استيطانية.


ساهم تراجع الموقف الأميركي، وضعف الموقف الأوروبي، وغرق المنطقة في دوّامة العنف، وانحراف الأنظار عن القضية الفلسطينية واعتداءات الاحتلال، وحاجة بعض الأنظمة إلى خدمات إسرائيل؛ في إعادة إحياء المخطط بشكل علني دون رادع.


آخر الإجراءات العدوانية الإسرائيلية هي قرار تهجير المواطنين البدو الفلسطينيين في مناطق  «E1» الشاسعة، بدءاً من التجمعات البدوية على جانبي شارع رقم واحد الذي يصل البحر الميت.


مخطط تهجير البدو ليس وليد اللحظة، ولكنه بدأ منذ العام 1967 من خلال عملية تهجير قسري، خاصة من مناطق الأغوار بحججٍ واهية، من بينها اعتبار المناطق التي كانوا يقيمون فيها مناطق عسكرية مغلقة... .


مسلسل تهجير البدو تواصل، أيضاً، خلال العقدين الماضيين، ولعّل أهم مراحله كانت عملية التهجير التي طالت عشرات العائلات البدوية من مناطق شرق مستوطنة «معاليه أدوميم» وإعادة إسكانهم في بيئة لا تناسب معيشتهم شرق بلدية العيزرية امتداداً نحو مكبّ النفايات الصلبة لبلدية الاحتلال. 


استمرت منذ ذلك الحين الإجراءات العدوانية المتمثلة بهدم مضارب البدو ومصادرة قطعانهم، ومنع وصول الخدمات إليهم، وخاصة المياه؛ لإجبارهم على الرحيل.


وفي ظل قدرة البدو على الصمود أمام الاعتداءات الإسرائيلية، جاء قرار نتنياهو مع ممثلي المستوطنين قبل يومين بتهجير البدو قسراً وتدمير مساكنهم لاستكمال مخطط  «E1» تحت سمع العالم وبصره.


يبدو أننا أمام وضع ليس للفلسطينيين فيه خيار سوى إعادة تفعيل المقاومة الشعبية، كما كانت في بداية الإعلان عن هذا المخطط، لعلّ سلطات الاحتلال تعود عن نهجها التدميري.. دون ذلك سيكون هذا المخطط هو الرصاصة الأخيرة في عملية السلام المزعومة.


abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد