قبل أقل من عام بقليل، تمكن لبنان من الخروج من أزمة مستعصية من خلال التوصل إلى تسوية سياسية داخلية أدت إلى وصول ميشال عون رئيساً للبلاد بعد عامين ونصف من شغور المنصب، وتشكيل حكومته برئاسة سعد الحريري، هذه الحكومة التي وضعت قانوناً للانتخابات البرلمانية بعد استعصاء دام لسنوات، وقبل تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة الحريري (النصف الثاني من كانون الثاني 2016) لوحظ جهد مصري لم يكن مسبوقاً بالدخول على خط الأزمة اللبنانية، تكلل بالجولة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري مع كافة عناصر وأطراف الأزمة اللبنانية في منتصف آب من نفس العام، أشار شكري حول أسباب هذه الجولة إلى أن «مصر تسعى إلى التواصل مع كافة المكوّنات السياسية اللبنانية وتوفير أرضية لمزيد من التفاهم بين مختلف هذه المكونات للخروج من الأزمة والتوصل إلى استقرار لبنان، وذلك بانتخاب رئيس للبلاد متفق عليه من قبل كافة الأطراف التي اجتمعنا بها».
أيام قليلة بعد زيارة وزير الخارجية المصري إلى بيروت وجولته التفاعلية مع كافة مكونات السياسة اللبنانية، أشار أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله من خلال خطاب ألقاه في العاصمة اللبنانية إلى أن هناك إمكانية حقيقية لإنهاء الأزمة اللبنانية ببقاء نبيه بري في رئاسة المجلس النيابي وتولي سعد الحريري رئاسة الحكومة مقابل تولي الرئاسة الأولى، رئاسة الجمهورية، المرشح الأول والوحيد العماد ميشال عون. هذه المحصلة السياسية التي أدت إلى خروج لبنان من أزمته المستعصية لم تكن ممكنة لولا الجهود المصرية التي قيل إنها أثمرت عودة مصر لتلعب دوراً ريادياً في السياسة العربية، وأن نجاح وزير الخارجية المصري في هذا السياق، لم يكن ممكناً لولا الدعم السعودي لهذا التحرك، وقد قيل في ذلك الوقت إن التعاون المصري ـ السعودي في سياق السياسة العربية، سيمهد الطريق أمام تشكيل قوة دفع عربية تقودها الدولتان بشكل منسق بعيداً عن المنافسة، ولعل في التطورات اللاحقة، شهدنا مثل هذا التعاون بين القاهرة والرياض كان آخرها ذلك التشكيل الذي ضم الرباعية العربية في مواجهة مع دولة قطر.
إثر تقدم سعد الحريري باستقالته المتلفزة من رئاسة الحكومة من العاصمة السعودية مؤخراً واشتعال أزمة جديدة طالت الوضع اللبناني والعربي والإقليمي على حد سواء، لم يكن أمام رئيس مجلس النواب اللبناني إلاّ استدعاء الدور المصري لحل الأزمة، بري كان في شرم الشيخ للمشاركة في افتتاح مؤتمر شباب العالم، لكنه آثر عدم العودة إلى بيروت إلاّ بعد اجتماعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبعد هذا الاجتماع الذي لم يكن مجدولاً، قال بري للصحافيين إنه يأمل أن ينتج عن اجتماعه مع السيسي حل للأزمة اللبنانية الراهنة «رغم كل الصعوبات ي فتح لقائي مع الرئيس السيسي باباً كبيراً للانفراج»!
وبموازاة لقاء بري ـ السيسي، جاء تصريح الرئاسة المصرية برفض التدخل في الشؤون الداخلية للبنان وتجنب أن تؤدي أزمته إلى حرب جديدة ودعم الحوار والتسوية السياسية، ودعم الجيوش النظامية وليس الميليشيات، لتقود بعض المحلّلين إلى أن الموقف المصري جاء متسقاً مع الموقف السعودي، رغم أن البعض من هؤلاء، اعتقد أن هناك افتراقاً بين الموقفين، إلاّ أن تلميحات الحريري أثناء اللقاء المتلفز لاحقاً، إلى إمكانية عودته عن الاستقالة في ظل اشتراطات وتسويات جديدة، تشير إلى أن الرياض تريد التوصل إلى تسوية للأوضاع في لبنان، تؤدي إلى التضييق على حزب الله في اطار الموقف السعودي من ايران، وإذا ما تم ذلك، وربما بمساعدة من القاهرة التي باتت لاعباً لا بدً منه لحل مثل هذه الأزمات، فإن الرياض تكون قد حققت هدفها من دون أن تتحمل مسؤولية تأزم الوضع اللبناني والعربي والإقليمي، من هنا، فإننا نعتقد أن التدخل المصري بهذا الشأن، لم يكن على حساب الدور السعودي، بل من خلال التنسيق مع الرياض للخروج من الأزمة بأقل الأضرار وبتحقيق الأهداف.
مستشار الرئيس اللبناني جان عزيز، وفي مقابلة مع فضائية «الميادين»، أشار بوضوح إلى أن هناك «مبادرة مصرية لحل الأزمة اللبنانية»، ونعتقد أن الوضع سيصبح أكثر وضوحاً وتحديداً إثر اجتماع جامعة الدول العربية الذي دعت إليه السعودية، حيث من المحتمل أن تتقدم القاهرة بمبادرتها التفصيلية والتي ترى أنها لا بد من أن تكون من مستخرجات التنسيق مع الرياض لحل الأزمة اللبنانية التي شكلت ولا تزال خطراً يتهدد المنطقة برمتها في ظل التهديدات بحروب تضاف إلى تلك الحروب التي تخاض في المنطقة!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية