أسئلة المدينة اليوم، تدور حول فيما إذا أدت "الكوتا" الغرض من تبنيها في القانون. فبعد أربعة عشر عاما على تطبيقها في ثلاث دورات انتخابية على التوالي، 2004/2005 وفي العام 2012 وفي انتخابات 2017 لا بد من طرح الأسئلة التالية: 
هل ساهمت "الكوتا" في عملية التغيير الاجتماعي؟ وفي حال سحبها كإجراء وتدبير مؤقت ما الحال الذي ستكون عليه مشاركة النساء في المجالس المحلية؟ 
لا يمكن الإجابة عن التساؤلات المطروحة وتفرعاتها وصولا إلى تقييم علمي وموضوعي إلّا على هدى دراسة علمية؛ وصولاً إلى الخروج بمعطيات واستنتاجات صحيحة. تحديد المشاكل ووضع الأصابع العشر على الفجوات والمتطلبات، للخروج بإجابات واقعية تؤدي إلى وضع السياسات البديلة التي تمكِّن من تجسير الفجوات. 
الانطباعات المتشكلة بناء على الاقتراب من مسافة الصفر مع عضوات المجالس المحلية في جميع المحطات، من خلال الاطلاع على التجربة بلسان صاحباتها، فحص أشكال الإقصاء؛ الواضح منها والخفي، الالتفاف على تقسيم الأدوار بناء على العمل المنزلي وامتداداته في المجتمع. دروس الواقع تقودني إلى حُكم يحصر ما حققته "الكوتا": إيصال النساء إلى عضوية هيئات الحكم المحلي وتعوُّد نسبي على وجودهن في الحكم بمعنى أن "الكوتــا" حفظت للمــرأة حقهــا في دخــول ميــدان المنافسـة. ليس أقل أو أكثر.
لم يكن مُنتظراً منها أكثر دون تبني سياسات وآليات تستثمر وجود "الكوتا"، تسهم في عملية التغيير المنشود. علاوة على اقترانها بتهيئة الظروف المناسبة لتعزيز المشاركة بشكل عادل.
إذن، "الكوتا" ليست مصباح علاء الدين السحري خاصة عندما تُدار بعقلية ذكورية مرتبطة بوشائج متينة بالأبعاد العشائرية والعائلية المعززة والمركزة لسلطة القرار والقيادة بيد الرجال، كفيلة بسحب دسم "الكوتا" ووظيفتها قبل أن تبدأ مفاعيلها على الأرض. 
بالنتيجة، يبدو دور مجالس الحكم المحلي متناقضاً، بالوقت الذي تُعتبَر المجالس بُنى مجتمعية تتعاطى مع احتياجات وضرورات تخدم مهام عملية تغيير البيئة لجهة ازدهارها وحداثتها ومعاصرتها، بينما واقعياً تقف في حالة مواجهة مع الرؤية الحقوقية المعتَمَدة، بل تحمي الثقافة النمطية السائدة ومهتمة في إبقاء الحال جامداً حفاظاً على مصالحها ونفوذها، حفاظاً على ضمان وبقاء علاقات القوة والسيطرة على حالها. 
عليه، من يتحمل المسؤولية عن إفراغ "الكوتا" كآلية تقف على مسافة واحدة من ممكنات التطور والتخلف، من المسؤول عن وقوف العوامل الاجتماعية الثقافية عائقاً أمام تطور واقع مشاركة النساء، بما يغيِّر الأنماط والسلوكيات والأفكار والانحيازات والقوالب النمطية، عن غياب السياسات. لا شك أن السهام ستنطلق باتجاهات متعددة، الرؤية والإرادة الحكومية، الأحزاب بما فيها أطراف الحركة النسائية والمجتمعية. 
نظـام "الكوتـا" وحـده لا يكفـي لتحقيـق المشـاركة الفعليـة للمـرأة في صنـع القـرار أو لتحقيـق المسـاواة في التمثيــل الســياسي بيــن الجنسيــن، خاصــة عـلـى المــدى الطويــل دون وجود رؤية لعكس هوية النظام السياسي المنشود كما ارتضاه العقد الاجتماعي التوافقي الثابت في القانون الأساسي وكما أثبتته الإرادة السياسية التي وقفت خلف الانضمام الى الشرعة الدولية والتزاماتها المترتبة.
سيبقى الحال على المراوحة إن بقيت عيْن الحركة النسائية مسلطة على رفع نسبة "الكوتا"، اعتبار "الكوتا" التصاعدية الهدف بمعزل عن هدف التغيير الذي لن تحققه "الكوتا" باعتبارها آلية توصل النساء إلى مواقع القرار، بمعزل عن التركيز على تبني السياسات والخطط التي تقود الى الاستغناء عن "الكوتا" بما فيها المدة الزمنية اللازمة للاستغناء عنها، توجه المواطن لانتخاب المرأة كخيار طوعي. 
كذلك، ســيبقى التقــدم بطيئــاً أو مراوحته في المكان؛ ريثـمـا تتغيــر نظــرة المجتمــع حيــال المرأة، والأهم تغيُّر نظرة المرأة حيال نفسها وثقتها بقدراتها. إيجاد الحلول الذاتية لمسألة العبء المزدوج الذي باتت تتحمله النساء، إيجاد التوازن بين أدوارها في الحيِّز الخاص وأدوارها القيادية في الحيِّز العام.
تأتي "الكوتا" عادة مع انطباعات مبهمة حول نقص الكفاءة، وعليه تستهدف العقلية الذكورية إبقاءهن في الاصطلاح، بهدف عدم توفير الفرصة الثانية المبنية على فرصة "الكوتا" رغم أن التجربـة الفلسطينية تشير الى أن وصـول ذوات وذوي الكفـاءة الى مركز القرار ليـس لــه علاقــة بالكوتــا، وإنمــا يتوقــف عــلى توفر الإرادة وعلى المنــاخ الديمقراطــي والجديــة في الالتحاق بركب الحضارة وفي ثقافــة النقد المفتوح والرقابة والمحاســبة المبنيــة عــلى الأداء، بما يهــدف لتصحيــح الخلـل وإعـادة التـوازن المفقـود في المجتمـع عـبر إزالـة العوائـق أمـام المشـاركة بشكل عام؛ ومشاركة المرأة والشباب في الحيـاة السياسـية. 
لا بد من القول، إن الوقوف على الواقع بموضوعية، إحدى السمات التي يتمتع بها الذين ينظرون إلى قراراتهم بجدية وحرص، أما الهروب المزمن من التقييم والمراجعة فلن ينفع مريديه في شيء، سوى استمرار هَدْر الموارد وطيّ سياسات والمضي نحو غيرها، دون معرفة لماذا أخذنا بها وتخلينا عن غيرها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد