215-TRIAL- كلما تعقدت أمورنا السياسية وتعاظمت احتقانات الشارع الفلسطيني، خرج علينا من الناطقين الإعلاميين والقياديين في كل من فتح و حماس من يحاول تبرير العجز والقصور، وذلك بتحميل الطرف الآخر مسئولية انسداد الأفق، واعتباره متواطئاً لإجهاض أية إنجازات يمكن أن تتحقق!! وفي النهاية، لا هذا جاء بالفرج ولا ذاك، ويدفع الشعب المسحوق الثمن؛ لأن قياداته لا تُحسن حتى كيف تتفق أو تتوافق!! والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم ما الهدف من وراء هذا الردح الذي يتم تبادله بوقاحة بين فتح وحماس؟ ومن الذي يقف خلف هذه التفجيرات التي طالت قيادات فتحاوية نكن لها كل التقدير والاحترام، وما هي الرسالة من وراء استهداف منصة الاحتفال بذكرى الشهيد القائد ياسر عرفات؟ ومن المسئول عن تحريك الفتنة ومحاولة إشاعتها من وراء هذه الإعمال الإجرامية، التي هي مستنكرة ومدانة من جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي ؟ الشارع الفلسطيني: بين المعاناة والحيرة إن هناك الكثير من التساؤلات المشروعة التي يطرحها الشارع الفلسطيني المكلوم في كل أوضاع حياته، والذي ما زال هناك عشرات الألاف من أبنائه تفيض أعينهم من الدمع لعمق مآسيها، جراء ما لحق بمنازلها وممتلكاتها من دمار بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ، وهي تتطلع - بأمل وشغف - إلى أن يعم الهدوء والاستقرار أوضاعنا السياسية والأمنية، وذلك لسد باب الذرائع لكي تبدأ مشاريع الإعمار، وإعادة بناء ما هدمته الحرب. إن على رأس هذه التساؤلات وعلامات الاستفهام سؤال: من هو المستفيد من وراء ذلك؟ وما هي المصلحة المرجوة من تفجير الأوضاع، والذهاب إلى أتون الفتنة المجتمعية بين أبناء الوطن الواحد؟ هل ما يجري – فعلاً - يخدم حركة فتح أو يسجل إنجازاً لحركة حماس؟ هل إسرائيل وأجهزتها الأمنية وشبكة عملائها داخل حسبة الاتهام ونحن نبحث الجناة؟ وهل.. وهل؟ أسئلة لا تنتهي في مثل هذه الأجواء المشحونة بالإدانات والتأويلات. أتمنى أن نتوخى الحيطة والحذر ونحن نقدم ردود فعل غاضبة، قد لا يستقيم مسارها وسط غابة الشكوك التي تلاحق الأحداث، وأتمنى أن تعمل فتح وحماس يداً بيد لكشف الجريمة وأبعادها. القيادات بحاجة لإجراء مراجعات إن الذي نشاهده اليوم من عمليات تبادل الردح والمناكفات السياسية، وأيضاً هذه التفجيرات الهمجية، إنما هو مدخلٌ لفتنة كبرى قد لا يحسب الكثير من قيادات هذا الشعب أبعادها ودواهيها، ونحن نحذر من عقابيل هذا الاستخفاف، ومن عواقب مثل هذه التصريحات غير المسئولة، والتي تفتقد إلى منطق العقل والحكمة، وتعكس حالة البؤس وسوء تقدير الموقف التي وصل لها البعض في قيادات هذا الشعب العظيم. للأسف، إن الذي يشاهد حالة الفرح عند عقد الاتفاقات وأجواء البهجة والسرور والابتسامات العريضة يظن أننا قد طوينا صفحة الخلاف إلى الأبد، وسنبدأ عهداً جديداً تتقدم فيه مصالحنا الوطنية على حزبياتنا المقيتة، وما أن ينفض السامر ويعود كل منا إلى مضاربه ويتواصل مع حلفائه لشرح ما تم التوصل إليه من وثائق وتفاهمات، حتى نعاود الردح وتفتيح الجُرح من جديد، و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت"، وكأننا لم نأخذ على أنفسنا العهد بألا نعود لما كان سائداً في علاقاتنا من نفور!! حقيقة أنني أشعر بالغثيان أحياناً وبالحزن حيناً آخر وأنا أقرأ أو أسمع ما نقوله عن بعضنا البعض، وما نكيله من كلمات نابية ومفردات لغوية جارحة تمس شخصياتنا القيادية والسياسية. وأتساءل بوجع: هل السياسة الفلسطينية هي "فقه المناكفات" وتبادل الاتهامات واللعنات؟! وهل نحن جميعاً نعمل على تغطية عجزنا وإخفاقنا في الإنجاز، وعثرات ممارساتنا السياسية عبر عملية توتير الشارع وتضليله، وذلك بأسلوب تعليق الأخطاء على شماعة الآخر!! كنت أتمنى أن يمتلك قادتنا ورؤساؤنا السياسيون الشجاعة يوماً ويواجهوننا بصدق في تناول واقع الحقيقة المرة، والتي بات يدركها الكثير من أبناء شعبنا، وذلك بالقول: إنهم لا يملكون خشبة الخلاص لورطتنا السياسية وكارثتنا الإنسانية، لأنهم بلا أفق وبلا رؤية وبلا قرار، وأنهم أصبحوا "عالة على الشعب"، وأنهم عاجزون عن العطاء، وأنهم كتنظيمات وأحزاب يتعيشون على عذاباتنا، وصرخات شعبنا، ونداءات حرائرنا: "وامعتصماه.. واإسلاماه.. واعروبتاه.. واصلاحاه"، التي لا تهدأ ولا تتوقف!! هذا واقع مرير تمر به أحوالنا السياسية، التي تبعث على الأسى والإحباط، وخاصة في أوساط جيل الشباب الذي أخذ منه اليأس مأخذه. تبادل الاتهام بدل المصارحة والحوار!! لقد تعودنا على رؤية قياداتنا السياسية أنها حال وصولها إلى حائط مسدود، وتعثر سبل اللقاء المثمر بينها، سرعان ما تبدأ عملية السب والشتم والتلاعن الممنهج في سيمفونية لا تطرب أي فلسطيني غيور على وطنه، ويمتلك جراءة التفكير والتصرف خارج عاطفة التنظيم وأيديولوجيا الحركة أو الحزب. بصراحة ما سمعناه من تصريحات وردود في وسائل الإعلام الفلسطينية على لسان قيادات وازنة وناطقين موتورين من فتح وحماس شيء مشين، ولا يليق بعظمة هذا الشعب وتضحيات مقاومته الباسلة.. ففي اللحظات التي يواجه فيها الكثير من أهلنا برد الشتاء القارص حول أنقاض بيوتهم المهدمة، وتعطل عمليات الإعمار لاعتبارات إسرائيلية وأممية، وتوتر علاقاتنا السياسية في قطاع غزة مع الشقيقة مصر، وانفجار الأوضاع في القدس بسبب تعديات المستوطنين على حرمات مقدساتنا الإسلامية في المسجد الأقصى وأكنافه، وغيرها من الأوضاع الإنسانية والسياسية الكارثية، التي ألمت بقضيتنا وشعبنا نجد أنفسنا نصب جام غضبنا على بعضنا البعض، في مشهد أقل ما يمكن أن يقال فيه أنه هابط، واخراجه غير موفق لا من حيث التوقيت، ولا من حيث أمل الناس فينا. إن كل من تعاطى العمل السياسي يعرف بأن السياسة هي فن الممكن وهي منتجع للمكر والخداع، فهناك – دائماً - خلافات في المواقف لاعتبارات المصالح، وأن هناك وجهات نظر واجتهادات في تقديرها، كما أن هناك تباينات في الرأي وخصومات أحياناً، ولكن كل ذلك لا يستدعي الفجور، واطلاق العنان للكلمات النابية التي تفجر الحجر وغضب البشر. نعم؛ هناك خلافات مع الرئيس أبو مازن وحركة فتح، وهناك انسداد أفق مع حكومة د. رامي الحمد الله، وهناك ما يستدعي أن نقول شيئاً، حيث إنه لا يظهر في علاقاتنا السياسية غير التعطيل والمراوحة في المكان، ولكن أليس من الأجدى بدل الاتهام اعتماد سياسة التودد والكلمة الطيبة، والتي نحتاجها أولاً لإصلاح علاقاتنا مع رأس هرم السلطة، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، حيث تعلمنا في أدبياتنا الإسلامية أن "فرعون" الذي يمتلك القهر والطغيان تستوجب مخاطبته تظهير الاحترام بالقول اللين والسلام؛ لأن إمكانية الكسب معه واردة، واحتمالية تحوله - لما نأمله ونرجوه - ليست مستبعدة. بصراحة الحريص على وطنه ومستقبل قضيته، أقول: إن ما سمعناه من تصريحات وردود - أشبه بالردح - على لسان قيادات وازنة وناطقين موتورين من فتح وحماس تناقلتها – للأسف - وسائل الإعلام الفلسطينية هو شيء مشين، ولا يليق بعظمة هذا الشعب وتضحيات مقاومته الباسلة.. ففي اللحظات التي يواجه فيها الكثير من أهلنا برد الشتاء القارص حول أنقاض بيوتهم المهدمة، وتعطل عمليات الإعمار لاعتبارات إسرائيلية وأممية، وتوتر علاقاتنا السياسية في قطاع غزة مع الشقيقة مصر، وانفجار الأوضاع في القدس بسبب تعديات المستوطنين على حرمات مقدساتنا الإسلامية في المسجد الأقصى وأكنافه، وغيرها من الأوضاع الإنسانية والسياسية الكارثية، التي ألمت بقضيتنا وشعبنا، نجد أن كلَّ واحدٍ منا - في فتح وحماس - يصب جام غضبه على الآخر، وذلك في مشهد أقل ما يمكن أن يقال فيه أنه هابط، واخراجه غير موفق؛ لا من حيث التوقيت، ولا من حيث أمل الناس فينا. إن كل من تعاطى العمل السياسي يعرف بأن السياسة هي فن الممكن، وهي منتجع للمكر والخداع، فهناك – دائماً - خلافات في المواقف لاعتبارات تتعلق بحسابات المصالح، كما أن هناك وجهات نظر واجتهادات في تقديرها، إضافة لوجود تباينات في الرأي وخصومات - أحياناً - حولها، ولكن كل ذلك لا يستدعي الفجور، واطلاق العنان للكلمات النابية التي تفجر الحجر وغضب البشر. نعم؛ هناك خلافات مع الرئيس أبو مازن وحركة فتح، وهناك انسداد أفق مع حكومة د. رامي الحمد الله، وهناك في حالتنا الفلسطينية – للأسف - ما يستدعي أن نعبر بحرقة وغضب، حيث إننا وبرغم كثرة الاتفاقيات والتفاهمات لا يظهر في علاقاتنا السياسية غير التعطيل والمراوحة في المكان!! ولكن – وهنا مربط الفرس - أليس من الأجدى والأنفع والأكرم بدل تبادل الردح والاتهام اعتماد سياسة التودد والكلمة الطيبة، والتي نحتاجها لأكثر من اعتبار، أولاً: لإصلاح علاقاتنا مع رأس هرم السلطة السيد الرئيس (أبو مازن)، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، حيث تعلمنا في أدبياتنا الإسلامية أن "فرعون" الذي يمتلك القهر والطغيان فإن مخاطبته تستوجب تظهير الاحترام بالقول اللين والسلام؛ لأن إمكانية الكسب معه – بهذا الأسلوب - واردة، واحتمالية تحوله - لما نأمله ونرجوه - ليست مستبعدة. وإذا كان هذا السلوك من القول الحسن هو المندوب العمل به مع من طغى وتجبر، فكيف ونحن نتعامل مع رئيس عقدنا معه – باختيارنا - العهد والميثاق للانتقال بنا إلى مرحلة توافقية قادمة، حيث الانتخابات والشراكة السياسية والعمل الوطني المشترك.. أليس ذلك يستدعي منا أدباً في الخطاب، وتقديم الطيب من القول والفعال؟! لذلك، فإن عتبي على الكثير ممن أفرطوا بالقول وأساءوا من قياداتنا الوطنية والإسلامية، سواء بحق الرئيس محمود عباس أو حركة حماس، وهم بهذه التصريحات المسيئة والاتهامات الجارحة قد مهدوا الطريق – للأسف - لكل من يريد العبث بأمننا واستقرارنا، وقد قاموا من حيث لم يحتسبوا بتهيئة الأجواء للفتنة أن تلج من أي بابٍ شاءت. إن هذه التفجيرات الإرهابية المجنونة لم يكن المقصود من ورائها حركة فتح، وإن كان الاستهداف طال مساكن بعض قياداتها، ولكنَّ الهدف هو خلق حالة من الفوضى لا تبقي ولا تذر.. فاستقرار الوطن وأمنه هو الهدف من ناحية، كما أن شدَّ الانتباه بعيداً عما يجري في القدس والمسجد الأقصى ليس بعيداً عن مظنة ما نعتقد من ناحية أخرى. إنني باسمي، وباسم حركة حماس، وباسم هيئة الوفاق الفلسطيني التي أعتز برئاستها، أدين عمليات الاستهداف الجبانة التي طالت قيادات من إخواننا في حركة فتح، وأطالب الأجهزة الأمنية في قطاع غزة أن لا تأخذها الرحمة في ملاحقة الجناة ومعاقبة كل المتورطين في هذا العمل الإجرامي القبيح، حرصاً على مشروعنا الوطني ووحدتنا الوطنية، وقطعاً لدابر الفتنة ممن يتربصون بالوطن الدوائر. كما أناشد الجميع العمل بكل الجهد والوطنية لإنجاح مهرجان إحياء الذكرى العاشرة لشهيد الوطن ورئيس حركة فتح السيد ياسر عرفات (رحمه الله)، حيث إن خروج المهرجان مكللاً بالنجاح إنما هو هزيمة لمن أرادوا العبث بوحدتنا، ووأد للفتنة في مهدها. وأخيراً؛ أدعو كل قياداتنا السياسية؛ الوطنية والإسلامية، للأخذ بهذه الحكمة من الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، والاجتهاد في تطبيقها، وهي تقول: "لنتعلم الكلام بلا إهانات.. ولنبذل جهداً كي يحترم بعضنا الآخر.. لأننا سنفترق في الأخير". 274

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد