هذه هي الطبيعة البشرية تتبنى الانتصارات التي لم تقدم لها يد العمل والمساعدة، وتبتعد عن مواجهة الهزائم التي تخضع تحت مسؤوليتها المباشرة؛ بل توجه أصابع الاتهام تجاه ضحايا لا ناقة لهم ولا بعير بهذه الهزائم لأجل إزالة هذا الفشل من على أكتافهم لأكتاف ضحية مجهولة تتم معاقبتها، وبهذا العقاب يكون المسؤول الأول عن هذا الفشل هو البطل الذي حاسب الضحية للفشل الذي تم تلفيقه له!!
بكل تأكيد انتصار أي فلسطيني في شتى المجالات سواء كان على الصعيد العربي، الإقليمي والدولي هو انتصار للكينونة الفلسطينية، وهذا أكبر دليل على أن شعبنا حيّ ينبض رغم آلامه المختلفة التي تنزف في حياته اليومية، هذا الفلسطيني المتمرد الرافض لحالة الاستسلام والقبول بالأمر الواقع يصنع من الظلمة أفقا واختراعات من أبسط الأدوات، وقطاع غزة بشبابه هو أقرب مثال على معنى حب الحياة بجعل المستحيل ممكنا.
الشجاعة تكمن في رؤية المشهد بوضوح دون وضع «المكياج» الكاذب الذي يُجمل الواقع فقط لساعات نشوة الانتصار!! لهذا على الرغم من حصول فلسطين على العديد من الجوائز المختلفة العالمية والعربية، إلا أنه يجب أن نعترف بأننا نتراجع ليس فقط بمنظومة النظام السياسي وإنما على أصعدة الاقتصاد، الثقافة، العلوم، التعليم، الزراعة، السياحة، التربية، التنمية..... الخ.
للأسف وبكل حزن، هناك الآلاف لا يتقنون اللغة العربية ـــــ اللغة الأم ـــــ القراءة أو/و الكتابة وهم الآن في مراحل متقدمة من مراحل التعليم على صعيد المدرسة، الكليات أو الجامعات، هذا ليس ادّعاء كاذبا أو تقليلا من قيمة جهة معينة ــــــ لا سمح الله ــــــ بقدر ما هو مستنبط من الواقع المُعاش، ومن لا يستشعر المحيط بملامسته للحقيقة أدعوه مشاركتي بجولة صغيرة لعدد من المؤسسات ليشاهد الواقع المُر بعينيه.
نفتخر في الوقت الآني بأننا من قام بتعليم شعوب وبناء دول عربية مختلفة في الماضي، هذا الغرور القاتل يجب ألا يمنعنا من الوقوف مع الذات بأسرع وقت ممكن، فالنجاحات الفردية المختلفة ليست وحدة مقياس لحقيقة الواقع، النجاحات الفردية هي فردية ولا يمكن أن يتم تعميمها على الكل الجمعي. 
ما وراء نجاح الفرد قصة ذاتية لها أساسات داعمة ومحفزة له ليس بالضرورة أن تتقاطع مع الأفراد الآخرين الذين ينتمون لذات القرية، المخيم، المدينة، الحي، المدرسة، المؤسسة، الجامعة، الشركة، الوزارة، المصنع....الخ.
مبروك للكل الفلسطيني على النجاحات الفردية التي يتم تحقيقها، مبروك أولاً وأخيراً للعائلة الفلسطينية فهي منبت أزهارنا رغم كل الظروف التي تواجهها إثر المحاولات المختلفة لاقتلاعها من جذورها، مبروك ولكن على كل مسؤول أن يشاهد الواقع بعينيه لا بعين التقارير البعيدة كل البعد عن الحقائق المُرة، فالتنمية المجتمعية بحاجة للنجاحات الجمعية لا الفردية.

للتواصل:

 mehdawi78@yahoo.com 
فيسبوك RamiMehdawiPage

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد