لن نبالغ لو قلنا: إن اللقاء الذي سيجري في القاهرة، اليوم، يعتبر مفصلياً وحاسماً، بل وحتى مصيرياً فيما يخص واقع حياة ومستقبل الشعب الفلسطيني بأسره ومشروعه الوطني، وليس هناك من خيار سوى أن ينجح اللقاء في مهمته، فيتبعه اللقاء الفصائلي الموسع، ثم تتوالى خطوات إنهاء الانقسام، وتدشين نظام الشراكة الجماعي السياسي الفلسطيني، وإلا فإن مستقبل الفلسطينية سيكون مثل حاضر العروبة، لا يسرّ صديقاً ولا يغيظ عدواً.
إن احتمال ألا ينجح موفدو « حماس » و»فتح» في إغلاق الفجوة والاتفاق على ملف سلاح الأذرع العسكرية/المسلحة للفصائل في قطاع غزة ، كذلك ملف موظفي «حماس» الذين عينتهم حكومتها بعد العام 2007 وخدموا مع تلك الحكومة طوال العشر سنين التي مضت، يعني أن ينفجر كل شيء، وأن يعم اليأس والإحباط الشارع الفلسطيني، الغزي، على نحو خاص، ولا أحد بعد ذلك يمكنه أن يتوقع ماذا سيكون بعد ذلك، لكن يمكننا القول منذ الآن: إن ذلك لو حصل، لا قدر الله، فإن الشعب الفلسطيني والتاريخ لن يغفرا أبداً الخطيئة الكبرى لكل من «فتح» و»حماس» معاً، أما إن حدث كما نشتهي ونتمنى، أن يتمتع وفدا الطرفين بالمسؤولية العالية، ويتحليا بالصبر، ويغلقا هذه الفجوة، وأن يقوما بتفكيك «اللغم» الذي هو بمثابة الصاعق الذي تراهن عليه إسرائيل لتفجير أوضاعنا الداخلية، فإن الثقة بكلا الفصيلين سوف تعود لصفوف الشارع، الذي سيقدر لهما هذا الصنيع عالياً، وذلك في صناديق الاقتراع لاحقاً.
أي أن نجاح كل من «فتح» و»حماس» في السير قدماً وبشكل جدي على طريق إنهاء الانقسام، سيطيل في عمر الفصيلين، وسيمنحهما «تفويضاً» شعبياً متجدداً، للاستمرار في قيادة الشعب الفلسطيني عقداً أو حتى عقوداً أخرى من الزمن، أما غير ذلك، فيعني أن تتعالى الأصوات التي تطالب بأن يجري إنهاء الانقسام بتجاوز طرفيه كليهما في الوقت ذاته!
في الحقيقة، إنه رغم صعوبة الملفين المشار إليهما، إلا أن التوصل لحل، يستند إلى المنطق وإلى المصلحة الوطنية العليا أمر ممكن جداً، ذلك أن عقدة منشار ملف موظفي «حماس» في غزة، إنما تكمن في موظفي الأجهزة الأمنية، والذين لم يستطع أحد أن يمنحهم الراتب الرسمي، بما في ذلك قطر حين تطوعت لتغطية مرتبات موظفي «حماس» بغزة أكثر من مرة، لكن هناك حلاً، يكمن أولاً في الورقة السويسرية التي فرّقت بين هؤلاء وبقية موظفي الخدمات العامة، الذين يقترب عددهم من الثلاثين ألف موظف، فيما يمكن التدقيق في موظفي الأجهزة الأمنية ويقدر عددهم بنحو اثني عشر ألفاً، ويمكن توزيع هؤلاء على الأمن الوطني والشرطة والأجهزة، وما إلى ذلك.
وفي الحقيقة أيضاً، إن المنطق الذي لا بد من مواجهته مباشرة وبصراحة، هو أنه لا يجوز أبداً الحديث عن سلطة شكلية للسلطة الرسمية، فيما تكون السلطة الفعلية لقوة عسكرية تحت الأرض، بحجة أنها مقاومة، فالمقاومة ليست مقدسة، وهي لا بد من أن تكون مقاومة وطنية وليس مقاومة فصيلية، أي لا بد من أن تخضع أولاً لهيئة قيادية جماعية، وثانياً أن تلتزم بالقرار الوطني العام والجماعي وليس بالقرار الفصائلي، ويجب أن يخضع أداؤها للمساءلة الشعبية والوطنية، هذا أولاً، وثانياً، الحديث يشمل «القسام» و»سرايا القدس » و»كتائب الأقصى»، «كتائب أبو علي مصطفى» و»كتائب المقاومة الوطنية»، وثالثاً، التجربة أشارت إلى أن سلاح القسام بالتحديد كان صاعق الانقسام السابق، حين تدخل في الصراع على السلطة، و»حسمها» لصالح «حماس»، بعد مواجهة عسكرية مع أجهزة أمن السلطة عام 2007، أي أن سلاح القسام بالتحديد وبشكل خاص لم يكن مقدساً ولا طاهراً حين تدخل في الصراع على السلطة قبل 10 أعوام.
والأهم هو، أنه من باب ذر الرماد في العيون القول بسلاح مقاومة في غزة، المحررة من الاحتلال والتي تواجه عدواً خارجياً يهدد حدودها بالاجتياح والتوغل، ويفرض عليها حصاراً بحرياً وبرياً وجوياً، لذا لا بد من أن تكون كل القوة العسكرية الفلسطينية، على الحدود الخارجية وليس في داخل القطاع، ولا بأي شكل، وهنا يتم دمج وتوزيع كل المجموعات المسلحة ضمن الأمن الوطني»الجيش الفلسطيني»، غير ذلك لا يجوز، بل لا يمكن الحديث عن عملية ديمقراطية أو إجراء انتخابات، لا ضمانة فيها من الارتداد وعكس إرادة الشعب بالقوة المسلحة، فليس على أرض الوطن ما يمكن وصفه بديمقراطية البنادق أو ديمقراطية السلاح!
بعد ذلك نجيء لملف موظفي «حماس» بغزة، حيث لا بد من التأكيد أولاً أنه يتوجب على السلطة أن تجد العمل لكل الخريجين ولكل المواطنين، فهذا حق لهم وواجب عليها، لا فرق في الانتماء السياسي أو الجغرافي، لكن تعيين وتوظيف المواطنين في الوظيفة العامة لا بد من أن يخضع لقانون الخدمة المدنية بكل تفاصيله، حتى تتحقق العدالة وتتساوى الفرص أمام المواطنين، وهنا لا بد من التمييز بين مَن عينتهم حكومتا «حماس» العاشرة والحادية عشرة، الشرعيتان، عن حكومات «حماس» بعد حزيران 2007، فمن عينتهم حكومتا «حماس» خلال الفترة من آذار 2006 وحتى حزيران 2007، فقد كانت حكومة شرعية وقراراتها شرعية على عكس قراراتها بعد ذلك حيث كانت تتصف بكونها حكومة انقلابية.
ولقد سهّل مرور عشرة أعوام على هذا الملف، حيث وصل نحو نصف موظفي السلطة بغزة، خلال تلك الفترة إلى التقاعد الرسمي، سواء كان ذلك ما بين موظفي السلطة العسكريين أو المدنيين، أي أن هناك شواغر يمكن أن تستوعب نصف موظفي «حماس»، كما أن مجموعة الإجراءات الأخيرة والتطور الطبيعي يعني أنه يمكن استيعاب معظم موظفي «حماس»، من المدنيين، وهكذا يمكن تجاوز الفخ، وتفكيك صاعق التفجير، حتى يمر يوم هذا اليوم على خير، وننتقل إلى الخطوة التالية من إنهاء الانقسام، وكلنا أمل بأن الوقت قد أنضج قيادتي «حماس» و»فتح»، فتحملتا المسؤولية الوطنية باقتدار.
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية