عَبّرت مجموعة من أطفال قطاع غزة عن أحلامهم وأمنياتهم عَبر رسوماتهم التي أطلقوا عليها «جدارية المصالحة» تناولت آمال الكبار، أيضاً، كهرباء وفرص عمل وطبابة ومياه صالحة للشرب، هؤلاء الأطفال، جيل جديد، لا يعرف أن الكهرباء في كل المعمورة تستمر 24 ساعة، وأن انقطاعها يسقط أحزاباً وحكومات وأنظمة، جيل لا يعرف، أن تقصير السلطات يدفع بها بالضرورة إلى الاستقالة أو الاعتزال، جيل يعتقد أن ما يتوفر له من أسباب «الحياة» هي الحياة ذاتها، هذه المجموعة من الأطفال الصغار وعَبر جداريتهم وأحلامهم المرسومة بالألوان تمرَّدُوا، ولم يستسلموا لواقع مر، وهم يتمنّون ويأملون ويحلمون، وعلى الكبار، جيل حالي، ترجمة هذه الأحلام والأمنيات إلى واقع جديد، «جدارية المصالحة» هذه هي الرسالة التي ينبغي أن تكون الأقوى الموجّهة إلى هؤلاء الذين سيجلسون إلى طاولة المباحثات في القاهرة يوم الثلاثاء القادم، والوفدين الحمساوي والفتحاوي!
لكن، الثلاثاء القادم، لا يمكن أن يشكل رهاناً على تحقيق هذه الأحلام والأمنيات، وكما كانت الآمال قد عقدت على تسلم حكومة الحمد الله مقاليد الوزارات في قطاع غزة، الأسبوع الماضي، من دون أن تتحقق آمال أهل غزة بالعودة عن القرارات المتعلقة بتخفيض رواتب الموظفين، والعودة عن قرارات التقاعد، وهي العودة التي كانت تشترط عودة حماس عن لجنتها الإدارية، إذ كان من المفترض بناء على ذلك، أن تفي حكومة الحمد الله بوعدها، طالما أن حركة حماس، قد أنهت أعمال لجنتها الإدارية، وإذا كان من المفهوم والمبرّر أن لا يحلّ اجتماع واحد، أو عدة اجتماعات للحكومة كل تعقيدات وتشابكات أكثر من عقد من الزمن، إلاّ أنه كان من الممكن، بل من الضروري اتخاذ خطوات لبناء الثقة، ليس مع حركة حماس، ولكن مع الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة من خلال الوفاء بتعهدات الرئيس والحكومة، بالعودة عن قرارات الرواتب والتقاعد على الأقل، بعد أن انسحبت لجنة حماس الإدارية من الميدان.
كانت حركة حماس، وخلال تجربة حكمها على القطاع طوال أكثر من عقد، ولدى العديد من مواقفها إزاء الأزمة الداخلية، أن تتخذ موقفاً ما، ثم تبرّر عودتها عنه من خلال «استدراك» لكي تبرّر عدم تمسكها بالقرار، هذه المرّة، وإن لم تقلها صراحة، فإن الاستدراك الواقعي، بات من مواصفات سياسة حكومة الحمد الله، خاصة عندما استدركت ونكثت بوعدها، مستدركة ذلك بالقول إنها لا تملك عصاً سحريةً لحلّ معضلات أكثر من عقد من الزمن، مع أن الجمهور الغزّي، وهو يدرك ذلك، لم يكن ينتظر أكثر من الوفاء بتعهدات وتصريحات معلنة لا أكثر، وتتعلق بإجراءات وليس بملفات صعبة أو معقّدة!
هذه الملفات الصعبة والشائكة من المتوقع أن يتم تداولها والتباحث بشأنها يوم الثلاثاء القادم، وهي تلك الملفات المُرَحَّلة من اتفاق القاهرة 2011، وهي خمسة ملفات: إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، تشكيل حكومة وحدة وطنية، الملف الأمني، تنظيم الانتخابات والمصالحة المجتمعية، كل ملف من هذه الملفات يحتاج إلى الكثير من الوقت ومن الجهد، ومن الضغط والمتابعة، المسألة هنا لا تتعلق بنقاشات أولية، بل بآليات تنفيذية، في حال توفرت الإرادة وحسن النوايا والثقة المتبادلة، مع ذلك، فإننا نعتقد أن الأولوية يجب أن تعطى لآليات تسلم حكومة الحمد الله للوزارات والإدارات والمؤسسات في قطاع غزة، ذلك أن ما جرى من تسلم وتسليم لم يكن كافياً لممارسة الحكومة عملها واقعياً، تسلمت الحكومة الحكم نظرياً، هناك مباني وموظفون مختلف عليهم، حل ملف الموظفين يجب أن يشكل أولوية مطلقة من الناحية الزمنية، ليس هو الملف الأهم، ولكن الملف الذي من شأنه تسهيل عمل الحكومة، وبالتالي سهولة تناول الملفات الأخرى الأكثر تعقيداً وصعوبة.
ولعلّ الاختبار الأهمّ في مدى التعامل بثقة متبادلة، ينطلق من إمكانية عقد المجلس الوطني الفلسطيني، برؤية جديدة مختلفة عمّا كان الأمر عليه قبل انطلاق قطار المصالحة، ويمكن البناء على مخرجات مؤتمر بيروت بهذا الصدد.
أما قضية «السلاح» فهي رغم تعقيداتها العديدة، يمكن حلها من خلال حل مسألة إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال منظمة التحرير الفلسطينية والشروع بإجراء انتخابات شاملة تؤدي إلى استقرار للحكم والتوافق على استراتيجية سياسية وتنموية لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة.
إلاّ ان ذلك كله، يجب أن يندرج تحت لواء التوافق الوطني الشامل، الذي لا يجب أن يظل محصوراً في الاجتماعات الثنائية، من هنا فإن دعوة الكل الوطني للمساهمة الفاعلة في مناقشة كافة القضايا والملفات من شأنه أن يمنع أي تفرُّد أو محاصصة على حساب الكل الوطني الشامل!!

Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد