أتمنى أن أكون مخطئا في وصف الحالة وما رافق زيارة الحكومة وما يجري وأحاول أن أجد تبرير كغيري بأن الحكومة في زيارة إستكشافية تقييمه، وتلبية للتفاهمات التي تمت بين حركتي فتح و حماس ، وحل أزمات غزة بسرعة كبيرة لم يتحقق بناء على توقعات المواطنين.
الحكومة لم تتخذ أي قرار خلال إجتماعها الثلاثاء الماضي في غزة، ورحلت كل القضايا إلى طاولة الحوار في القاهرة، مع أن الرئيس عباس تعهد مرارا وتكرارا برفع العقوبات عن غزة فور حل اللجنة الإدارية، وهذا لم يحدث حتى الآن.
الزيارة بروتوكولية ولم يخرج عنها سوى الوعود، ولم يتم تسليم وتسلم الوزارات بشكل فعلي، والوزراء زاروا الوزارات المفترضة ولم يتحدثوا عن آليات محددة للبدء في العمل والخطط التي أعلن عنها رئيس الوزراء.
ولقاء رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله بالشباب كشف المستور وفتح الباب على مصراعيه على قضايا نهرب من نقاشها أو البحث فيها مع أننا ندرك الواقع المر، الشباب جزء من الحالة الكارثية التي نعيشها واللقاء وضح حجم الهوة في المجتمع خاصة في صفوف قطاع أو فئة مهمة المفروض أنها تحمل على عاتقها التغيير أو المساهمة فيه.
أحاول عدم تصديق قول شاعرنا العظيم محمود درويش في جداريته حول "دونية المتعالي وغطرسة الوضيع"، غير أن هذه هي الحقيقة وهي نتاج حالة العجز والإنكسار الذي تعيشه مكونات المجتمع الفلسطيني من فصائل ومنظمات مجتمع مدني وقطاعات الشباب والمنظمات الشعبية وغيرها، فكل تلك التشكيلات المجتمعية مهشمة والمجتمع برمته مصاب بخلل بنيوي جراء 11 عاما من الإنقسام والتجريف الخطير الذي حل بنا جراء السياسات الخاطئة والفئوية والإقصاء والتغييب والتجريب بالناس.
في قطاع غزة يثار حال من الجدل وما بين التفاؤل والإحباط، والآمال والتمنيات والتوقعات، وبروز النعرات والكراهية وعدم قبول الآخر، ورغبات بزوال طرف هزم إستسلم لحساب طرف آخر، وكثير ما يقال حول ذلك ونتائج زيارة الحكومة، وما رافق ذلك من لقاءات مع فئات مختلفة من المواطنين وزيارات علنية وغير علنية للحكومة ولأعضاء الوفد المرافق لها، فمن الناس من تسلل للزيارة طمعا في وعد بعودة الراتب أو منصب او ترقية، وتوزيع الغنائم والتهيؤ للانقضاض على الفريسة المفترضة، والمزاودات والبحث والجري خلف سراب الوعود والمناصب والوظائف.
وكل ذلك يتم بطريقة غير إنسانية ولا تعبر عن حال شعب يسعى للحرية ويطالب بحقوقه، في وقت أصبحت الحقوق تسهيلات وأن سكان قطاع غزة هم من الدرجة العاشرة.
الجميع في إنتظار اجتماع حركتي فتح وحماس في القاهرة الثلاثاء المقبل، للبحث في آليات وسبل تنفيذ التوافقات الواردة في اتفاق القاهرة الموقع في 4 أيار/مايو 2011، وتتعلق بخمسة ملفات، هي الانتخابات العامة، والحكومة، ومنظمة التحرير، والأمن، والمصالحة المجتمعية. هذه الملفات الخلافية بحاجة الى وقت، غير أن ما يعني الناس هو ازمات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم وغيرها من الخدمات، ومن الضروري عدم ربط قضايا المواطنين وحاجاتهم الإنسانية والمعيشية والصحية والتعليمية بالتجاذبات السياسية، وإنتظار ما ستسفر عنه اجتماعات القاهرة.
وعود رئيس الوزراء الحمدالله بإصدار قرارات إنقاذ للتخفيف من معاناة المواطنين في قطاع غزة، ليست بحاحة لإنتظار مشاورة الرئيس، وعلى الحكومة ان تتعامل مع الناس باحترام وليس بتعالي، وأن لهم حقوق وهي ليست منحة أو منة من أحد، فهي حقوق أساسية كفلها القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعليها القيام بواجباتها، وعدم إهانة كرامة الناس في المماطلة بتلبية حقوقهم، وتشجيع الناس على المطالبة بحقوقهم وحقهم في التعبير والاختلاف وقبول الاخر.
فنحن لا زلنا تحت الاحتلال والحكومة أداة لتسيير امور الناس وندرك أنها لا تمتلك عصى سحرية، إنما هي الارادة الحقيقية والإيمان بحقوق الناس بالآخر والشراكة الحقيقية للخروج من حال الشك وبناء الثقة، وأن القضية ليست حكومة تدير شؤون الناس في غزة وتنقذهم من وضعهم الانساني الكارثي فقط، فالقضية تتعلق بكرامة وحقوق، ومصير شعب وقضية وطنية وإحتلال عنصري احلالي يفرض أمر واقع يومي بدون أن يدفع ثمن.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية