2014/11/02
51-TRIAL-
أعطت نتائج الانتخابات التونسية درساً مهماً لحركة الأخوان المسلمين في المنطقة تمثل بأن الفرع الوحيد للحركة في الوطن العربي الذي ضمن له مكاناً رضياً بلا عثرات في النظام السياسي هو حركة النهضة، بل ورسخت نفسها طرفاً أصلاً في هذا النظام وللأبد بفعل قيادتها التي كانت تتابع وتقرأ حركة التاريخ والسياسة بهدوء شديد وتنتقل برشاقة وفقا لمتطلبات اللحظة وتتراجع بلا عناد حين تطلب الأمر الانحناء أمام الريح الذي كان يمكن أن يضعها محل خلاف في ذلك البلد الذي أشعل بعود ثقابه المنطقة.
فحين كان الشعب التونسي يتأهب للخروج إلى الشارع مستلهماً من التجربة المصرية في العام الماضي، درسه الأبرز في الإطاحة بالإخوان المسلمين كان لدى النهضة من المرونة والذكاء ما يكفي للتنازل عن رئاسة الحكومة بعد أن كانت قد تنازلت أصلاً عن الرئاسة عندما فازت بالانتخابات، وليس من المبالغة بالقول، إن الموقف الأقوى الآن في تونس هو موقف النهضة إذ إن النتائج تضع خصومها أمام خيارين كلاهما في صالحها، إما أن استدعاء النهضة للمشاركة في الحكومة وهكذا تسجل حضورها السياسي الذي لا يمكن إقصاؤه وإما أن تتشكل الحكومة بدون النهضة حينها ستقول: "انظروا واحكموا من أكثر ديمقراطية ووطنية، الإسلاميون الذين شاركوا غيرهم وتنازلوا من أجل تونس أم الوطنيون الذين أقصوا النهضة" وفي كلا الخيارين هي الرابح الرئيسي.
لا شك أن هناك في فروع الإخوان من هو غاضب على نتائج الانتخابات ويعيب على تجربتهم في تونس، ولا شك أن هناك من يقول انه كان على النهضة أن تستغل الوضع أثناء وجودها في الحكم وعندما كانت "المؤامرة" تحاك ضدها وأن تشكل قوة تنفيذية موازية للدولة وتبدأ بـ "نهضنة" تونس أي جعلها على شاكلة حزب النهضة تحميها قوة مسلحة وخلايا نائمة تبطش يمن يقف في سبيلها وإذا تزايدت المعارضة عليها أن تستولي على الدولة بالقوة المسلحة هكذا قيل عندما سقطت أو سقطت التجربة المصرية.
كان البعض في غزة يريد من إخوان مصر أن يتصرفوا هكذا، أن ينسخوا تجربة حماس بتفاصيلها باعتبار أنها هي الصراط المستقيم الذي كان يجب أن يهتدي به كل فروع الإخوان المسلمين ولا يحسب هنا كم من الدم سيسال وكم سيهدم من الوطن، فقط حسابات الحكم أو الموت دونه، هذه هي وصفة الفشل بامتياز لأنه هكذا تسقط الأوطان وتقسم وتدخل في أتون معارك لا نهاية لها وصراعات الحصص وحسابات النفوذ والمصالح التي تداس الأوطان تحتها.
في غزة والقاهرة لم يقرؤوا سياقات التوازنات، ووقفاً للتاريخ عند الصندوق كأنه أهم من الوطن بعكس النهضة التي فازت في الصندوق وتنازلت، فالإخوان في مصر حتى حين كانت سيول البشر تملأ شوارع المدن وتنادي بإسقاطهم بدا الرئيس آنذاك منفصلاً عن الواقع بخطاب الشرعية، وفي غزة حين بدأت التجربة تتعثر كانت أيضا حركة حماس تقول: "نحن فزنا وانتهى" ولم يفكر أي منهم بمخرج لحالة الاختناق حين بدت حركتا الإخوان في القاهرة و"حماس" في غزة في عين العاصفة كان العناد هو الحل الوحيد بنظرهما والذي انتهى بما لم ترغب به قيادة الإخوان ولا حركة حماس التي تقف تجربتها الآن عند الرواتب وبانتظار عودة الإسرائيلي للقاهرة للتفاوض على قضايا إنسانية سبق وأن كانت متحققة في أيدي الفلسطينيين قبل دخول حركة حماس في الانتخابات.
في الأسبوع الثاني من حزيران الماضي تلقيت مع زميل صحافي وثلاثة من قادة العمل الأهلي دعوة من السيد عماد العلمي عضو المكتب السياسي لحركة حماس وهو رجل مهذب يستمع أكثر مما يتحدث، أراد الرجل وضعنا في صورة تعثر المصالحة وحكومة الوفاق الوليدة التي لم تتقدم، حينها كان موقف حركة حماس صعبا بدرجة كبيرة حيث لا رواتب منذ أشهر عناصرها يغلقون البنوك ويطلقون النار على الصرافات الآلية، حالة من النقمة تسود بين الموظفين ومستفيدي الشؤون الاجتماعية والتجار الذين تعطلت مصالحهم على الحركة التي كانت شعبيتها تتراجع قبل أن تستعيدها الحرب كان الرجل يسأل: ما العمل ؟.
كان رأيي الذي قلته للرجل أن السياسة ليست حسن نوايا بل ممكنات قوة مستعيداً التجربة الفرنسية بين حربين عالميتين، ففي الحرب العالمية الأولى كسبت فرنسا الحرب ضد ألمانيا وفي الثانية خسرت فرنسا الحرب، وللمفارقة كان الرجل نفسه الجنران "بيتان" هو الذي يقود الجيوش الفرنسية، في الأولى وقع اتفاقية انتصار فرنسا وفي الثانية هو من وقع هزيمة فرنسا عندما انهارت الجيوش الفرنسية. قلت له ما حدث مع حركة حماس أنها وقعت اتفاق المصالحة في الحرب العالمية الأولى حين كان الرئيس مبارك قد تنحى والوضع في الإقليم كان صاعداً باتجاه حركة الإخوان وعندما تأخرت في تطبيقه كانت نتائج الحرب العالمية الثانية قد بدأت، فالحركة عاجزة عن إدارة غزة ودفع رواتب موظفيها، والإقليم يتحرك كله باتجاه إقصاء الإخوان وقدمت نصيحتين، الأولى: مراجعة وإبعاد الذين عارضوا ووقفوا ضد تطبيق المصالحة من الحركة عام 2011 حين كانت "حماس" أقوى فهم ساهموا بإيصالها إلى هذا الوضع.
الثانية: أن الوضع في الإقليم يسير باتجاه معاكس للحركة وما حدث في القاهرة مدعاة للتأمل وإعادة الحسابات، ما يقتضي من الحركة التراجع للوراء لأن القاهرة ستضغط "حماس" أكثر وخصوصاً بعد موقف الأخيرة المندفع من الأحداث في مصر، وعلى الحركة الإسراع في تسليم غزة لأن أي تأخير سيجعل التسليم في ظرف أصعب لحماس والشروط أعلى فالزمن لا يعمل لصالحها، قلت له استدعوا على عجل إخوانكم في حركة فتح وبالتحديد السيد عزام الأحمد مسؤول الملف وأنجزوا تفاهمات تنفيذ الشراكة بسرعة بما يضمن عدم إقصاء أحد.
كنت أرى أن هذه فرصة لتقوم حركة حماس بعملية إعادة انتشار على النمط التونسي، أن تقود بمرونة غابت عنها لسنوات ما يؤمن خطوة للخلف لضمان حضورها في النظام السياسي الفلسطيني لأن مقولة: "تركنا الحكومة ولم نترك الحكم" أي لا زلنا نحن من يحكم لا تقنع أحد بالشراكة وهذه بينها وبين ما قاله زعيم حركة النهضة مسافة حددت موقع كل من الحركتين فقد قال الغنوشي حين تنازلت حركته عن الحكومة: إن "النهضة غادرت الحكم ولكنها في المقابل احتلت مكاناً أفضل في قلب الشعب".
العقول والثقافة التي كانت ولا زالت تقود حركة النهضة هي ثقافة مختلفة تماماً وهي التي حجزت لتلك الحركة مكاناً متيناً في النظام السياسي التونسي فقد قال الرجل سابقاً: "عندما أتيح لنا الاختيار بين تونس والنهضة اخترنا تونس، وعندما كان الاختيار بين النهضة والديمقراطية اخترنا الديمقراطية".
هل يمكن أن تقرأ حركة الإخوان المسلمين في المنطقة تجربة النهضة بهدوء، وهل يمكن أن تحدث هذه التجربة ما يلزم من المراجعات لتدرك أن الصدام الذي حدث بينها وبين القوى والدولة هي لحظة خطأ وتبدأ بالبحث عن ممكنات شراكة حقيقية .. ربما ذلك. حين تبدأ المراجعات وان التجربة التي تعثرت تستدعي البدء بهذه المراجعات حالاً، هكذا قالت تجربة تونس.
Atallah.akram@hotmail.com 51
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية