الإنجاز الذي حققته فلسطين يوم أمس الأربعاء، بانضمامها إلى منظمة الشرطة الدولية المعروفة بالانتربول، يقدم نموذجاً آخر، بعد العديد من الإنجازات التي تحققت في ساحات العمل الدولي. في الجمعية العامة للمنظمة التي عقدت اجتماعها في بكين. خاضت فلسطين حالة صراع حقيقي مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل اللتين مارستا ضغوطاً هائلة على الأعضاء، وأجرتا مناورات في محاولة لتأجيل التصويت على اقتراح انضمام فلسطين لهذه المنظمة. كل الوقت وفي كل الساحات الدولية، كانت فلسطين تخوض مثل هذا الصراع الذي استخدمت فيه الولايات المتحدة، كل أشكال التأثير والضغط بما في ذلك حجب مساهماتها في موازنات بعض هذه المؤسسات أو الانسحاب منها، لكن الغلبة كانت لأصحاب الحق.
قد لا يرى البعض أهمية لمثل هذه الإنجازات، وبأنها لن تحرر وطناً ولن تردع محتلاً كالمحتل الإسرائيلي. غير أن على هؤلاء أن يعيدوا النظر في أشكال خوض الصراع، وفق الظروف المحددة، وعليهم، أيضاً، أن يؤمنوا بأن القضاء على الاحتلال، ونيل الاستقلال، يحتاج إلى صبر ومثابرة، فالصراع طويل ومديد. في كثير من المعارك يترتب على الفلسطيني أن يعرف كيف يخاطب الأمم الأخرى، فدور المجتمع الدولي مهم عند الحديث عن موازين القوى.
إن من ينظر إلى واقع موازين القوى الراهن ربما يصل إلى حد اليأس من إمكانية تحقيق الحرية والاستقلال في مواجهة عدو مدجج بكل أنواع آلات الدمار، ويتفوق على كل من حوله، من الدول العربية وربما الإقليمية. عبثٌ الحديث عن إمكانية أن يحوز الفلسطينيون على قدرات عسكرية، يمكن أن تطيح بالقدرات العسكرية الإسرائيلية التي تتغذى كل الوقت على الكراهية والحقد، والعنصرية، وعلى دعم لا يتوقف من الولايات المتحدة.
في الواقع فإن هزيمة المشروع الصهيوني تحتاج إلى مراكمة الإنجازات وخوض المعارك في خاصراته الضعيفة، والأمم المتحدة ومؤسساتها هي من الخاصرات الضعيفة التي تفشل فيها إسرائيل في استخدام ترسانتها التدميرية، وسياساتها العنصرية.
يحتاج الأمر، أيضاً، إلى وحدة الشعب الفلسطيني ومؤسساته ووحدة قراره، بما يساعد في تحشيد طاقات الفلسطينيين قبل الحديث عن تحشيد ما يتوفر من طاقات الأمة العربية والعالم الإسلامي، ثم يحتاج الأمر إلى سياسة مثابرة ل فتح المزيد من المعارك التي تفتح الباب أمام المزيد من الإنجازات. ويؤكد هذا الإنجاز بعد الإنجازات التي سبقته على أهمية التعويل والثقة بقيمة وأهمية عدالة القضية الفلسطينية، وأهمية الاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية، التي قد لا تستطيع في ظل موازين القوة العالمية الراهنة، تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني دفعة واحدة. لقد استغرق تحقيق المشروع الصهيوني بإقامة دولة إسرائيل عام 1948، أكثر من ثلاثين عاماً منذ صدور وعد بلفور، واقل قليلاً من سبعين عاماً منذ إقامة أول مستوطنة يهودية عام 1882.
لم يكن للحركة الصهيونية أن تحقق ذلك الإنجاز لولا الدعم القوي الذي لم يتوقف من قبل الدول الاستعمارية، وفي ظروف حربين عالميتين انتصرت فيهما تلك القوى الاستعمارية، الأمر الذي يدعو الفلسطينيين إلى الصبر حين يحسبون سنوات وعقود كفاحهم من أجل حريتهم واستقلالهم.
خاسر من يراهن على حل يأتي عبر الدور الأميركي ويكون منصفاً للفلسطينيين، فإذا كانت الإدارة بل الإدارات الأميركية لا تحتمل وجود دولة فلسطين في بعض المؤسسات الدولية، فلا نعتقد أن بالإمكان انتظار سياسة أميركية تقبل وجود دولة فلسطين على الخارطة الدولية، واستناداً إلى قرارات الأمم المتحدة.
من الواضح أن الولايات المتحدة تتحرك في اتجاه تحقيق ما يسمى ب صفقة القرن أو الصفقة التاريخية، وبأن إسرائيل بدأت تستشعر جدية الرئيس الأميركي، لكن أحدا في هذا الكون لا يثق أبداً بأن ما تسعى إليه الولايات المتحدة يمكن أن يكون مقبولاً ويؤدي إلى إنهاء الصراع. إسرائيل لا تشتغل على إنهاء الصراع وإنما إنهاء الشعب الفلسطيني ومصادرة أرضه وحقوقه، لكن قدرها سيجرها إلى التعرف على طبيعتها العنصرية ووراثة الموقع الذي كان عليه نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا.
تهزم القلعة الإسرائيلية من داخلها بسبب شراهتها وأطماعها، وبسبب عدوانيتها، وإرهابها وطبيعة النظام الذي ينزلق يوماً بعد الآخر نحو الأبارتهايد والتمييز العنصري، غير أن خوض المعارك ضدها على المستوى الدولي، لفضحها وعزلها سيساهم في تسريع تحولها إلى دولة عنصرية كريهة، لا تجد من يستطيع أو يتحمل الدفاع عنها. هذه المسألة بحاجة إلى أن تكون جوهر حوار وطني فلسطيني شامل، واستراتيجي، يقوم على مراجعة جريئة لخمسين عاما من الكفاح منذ هزيمة حزيران 1967، مراجعة تتجنب من الجديد تكرار القديم، وتتجنب التنافس والصراع على المكاسب والمصالح الحزبية والخاصة، تلك المكاسب التي تتحقق من جيب الشعب، وليس من جيب الاحتلال.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية