برغم كل التهديدات العراقية والتركية والإيرانية والدعوات الدولية بالتأجيل، نفذ الأكراد في إقليم كردستان العراق الاستفتاء الشعبي الذي شارك فيه 72% من السكان الذين يحق لهم التصويت وبعدد يبلغ 3,305,925 نسمة. ويبدو أن النتيجة ستكون التأييد لفكرة الاستقلال عن الدولة العراقية، حيث أظهرت النتائج الأولية أن أكثر من 90% من الأكراد المصوتين هم مع الاستقلال. وهذا يعتبر تغييراً بالغ الأهمية في العلاقة بين الأكراد والدولة العراقية وبينهم وبين دول الإقليم ذات العلاقة بالمسألة الكردية.
الحكومة العراقية على لسان رئيسها حيدر العبادي تعتبر الاستفتاء غير شرعي وتعتبر استقلال إقليم كردستان بمثابة إنشاء «دولة عنصرية»، وأنها ستقوم بإجراءات عقابية ضد الإقليم كإغلاق المطارات والمعابر الحدودية والسيطرة على انابيب النفط وغير ذلك من الإجراءات التي تستهدف خنق وتركيع الإقليم، وكذا ستفعل إيران وتركيا، حيث اعتبر رئيس الأخيرة رجب طيب أردوغان أن رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني ارتكب خيانة، وأن تركيا تتوعد الإقليم بمجاعة.
سورية من جهتها تعد أكرادها ببحث موضوع حكم ذاتي لهم بعد التخلص من «داعش» وانتهاء الحرب في سورية وفق ما صرح بذلك وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي أبدى معارضة سورية لاستقلال إقليم كردستان العراق في إطار الحفاظ على وحدة العراق ومنع تقسيمها. ويبدو أن الموقف الروسي يماثل موقف سورية، حيث تحدث الرئيس فلاديمير بوتين عن «الأهمية القصوى للحفاظ على وحدة العراق السياسية والترابية من أجل دعم الاستقرار في الشرق الأوسط وتسوية الأزمات المتعددة التي تعصف بالمنطقة».
الموقف الأميركي غير واضح بعد ان كانت الإدارة الأميركية قد طالبت بالتأجيل خوفاً على التأثير على المعركة ضد «داعش»، ويقول المراقبون للموقف الأميركي أنه يواجه حرجاً في موضوع وعد الإدارات المختلفة بالحفاظ على وحدة العراق لتحسين صورة أميركا التي قادت الحرب في العراق ضد نظام صدام حسين وتحاول الإثبات أن الوضع أصبح أفضل أو على الأقل مقبولا، وهذا ما لم تستطع إثباته بل على العكس من ذلك أصبح الوضع بائساً بما لا يقارن مع فترة نظام صدام حسين بالرغم من كل مثالبه، فكيف سيصبح الوضع إذا استقل إقليم كردستان.
إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي سارعت إلى إعلان تأييدها للاستفتاء ولاستقلال إقليم كردستان عن العراق وهذا ليس طبعاً تعبيراً عن حرصها على حقوق الأقلية الكردية في العراق وانحيازها لمبادئ حقوق الإنسان، أو المساواة والعدالة الدولية. فمصلحة إسرائيل تكمن في تقسيم العالم العربي وتفتيت الدول المركزية المهمة، وهو نفس موقف إسرائيل من جنوب السودان، حيث دعمت الانفصال عن السودان وقدمت السلاح والتدريب والخبرة لمليشيات جنوب السودان في حربها ضد الجيش السوداني. وفعلت نفس الشيء في إقليم كردستان ويعلم الجميع عن العلاقة التي كانت ولا تزال تربط بين كل من جلال طلباني ومسعود برزاني وبين إسرائيل، ولعل رفع العلم الإسرائيلي في كردستان خلال التظاهرات من أجل الاستقلال هو تعبير عن العرفان بالجميل الإسرائيلي.
غير أن الموقف الإسرائيلي يثير تحفظ بعض الباحثين والخبراء في إسرائيل الذين يعتبرونه سلاحاً ذا حدين، فهو من جهة تعبير عن مصلحة إسرائيل في إضعاف العالم العربي، ومن جهة أخرى يمكن أن يشكل نموذجاً دولياً يحتذى في دعم استقلال الشعوب، وبما أن إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية بالقوة وكل العالم يرفض هذا الاحتلال، فمن باب أولى أن يتوجه المجتمع الدولي إلى دعم استقلال الشعب الفلسطيني وحريته من الاحتلال الإسرائيلي. بمعنى قد يرتد الموقف الإسرائيلي على أصحابه الذين يقومون بجرائم وانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان الفلسطيني أكثر بكثير من الذي يواجه الأكراد في إقليم الحكم الذاتي في العراق.
نحن كفلسطينيين يتوجب علينا أن ندعم حق الشعب الكردي في تقرير المصير والاستقلال، ولكن أن يتم ذلك بالتفاهم مع الدولة المركزية في العراق وفي توقيت يساعد العراقيين جميعاً على تجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة وفي إطار تحقيق مصالح الجميع. لأن الاستقلال في إطار خلق صراع جديد سيضر بالعراق وبالأكراد خصوصاً وأن الموضوع لا يتعلق بالعراق وحده، فتركيا ستذهب بعيداً في مواجهة استقلال كردستان، لأن أكراد تركيا وهم الأكبر عدداً في التوزيع الديموغرافي للأكراد في المنطقة، وستحذو إيران حذوها في اتخاذ إجراءات عقابية. والشيء الوحيد الذي سيحمي الأكراد من تبعات المواجهة مع دول الإقليم هو الاتفاق مع الدولة العراقية.
وعلينا أن نذكر العالم بأن الشعب الفلسطيني لا يزال يرزح تحت الاحتلال منذ ما يزيد على الخمسين عاماً، وهذا من المفروض أن يشكل أكبر المسائل الطارئة على الأجندة الدولية، إذ لا ينبغي أن يبقى العالم، والدول العظمى التي هي سبب مأساتنا خاصة، يكيل بمكيالين في التعاطي مع الأزمات والصراعات الدولية ومع قضايا الاضطهاد وقمع الشعوب، ومصادرة حقوقها. وفي هذا السياق على الإسرائيليين أن يخجلوا من أنفسهم وهم يتحدثون عن حقوق الشعب الكردي وهم يعيشون في آخر دولة احتلال على وجه الأرض.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية