غياب الدعم النفسي يقتل مريضات السرطان
غزة / سوا/ إسراء شحادة/ بوجه شاحب وعينان غائرتان تستلقي الأربعينية إيمان قنيطة على سرير المستشفى دون أن تتمكن من كتم صوت الألم الذي انتشر في جميع أنحاء جسدها، تحاول بقوتها المتوفرة كتم أنينها، وهي في حالة نفسية سيئة.
أنهش مرض السرطان جسد قنيطة، وحاولت أن تهزم المرض بعزيمتها إلا أنه كان أقوى منها، بعد أن انتشر في جسدها دون جدوى من العلاج الذي تتناوله منذ ما يزيد عن 10 سنوات.
ويعاني مرضى السرطان في غزة من أوضاع صحية ونفسية سيئة بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، وعدم تمكنهم من السفر للعلاج بالخارج بسبب منع الاحتلال الاسرائيلي.
إيمان واحدة من مئات النساء اللاتي يعانين من مرض السرطان في غزة، وانقلبت حياتهن رأساً على عقب وتحولت إلى كابوس، بين لعنة المرض والنظرة السلبية للمجتمع تجاههن.
بعيونٍ دامعة، تقول شروق ابنة المريضة إيمان (19 عاما): "والدتي تعاني من سرطان الثدي منذ عشر سنوات، والدي شهيد لذلك قام عمي بإرسالها إلى الأردن على حسابنا الخاص لإجراء عملية استئصال الثدي، ثم عادت بعد ذلك بصحة جيدة".
وتصف معاناة والدتها: "بعد عودتها إلى غزة ظهر ورم في أماكن أخرى من جسدها أدى إلى التهاب الغدد فتم استئصالها، مما أدى إلى انتفاخ يدها وأجزاء أخرى من جسدها بشكل رهيب يسبب لها الألم الشديد، ثم انتشر بعد ذلك في جسدها ليصل للعظم، وها هي تعيش الآن على المسكنات".
وعن معاملة الأطباء في المستشفى أشارت شروق إلى أن الأطباء يتعاملون مع المريض من ناحية تقديم العلاج الكيميائي فقط في حال كان متوفر، بينما لا يهتمون بالجانب النفسي ولا يوفرون للمريض الطمأنينة والراحة النفسية.
وكذلك ظهرت علامات الحزن والتعب على وجه المريضة نجاة موسى وهي تجلس بين أسرّة المستشفى، بسبب عدم تمكنها من النوم على السرير لصعوبة الحركة عليه.
تقول موسى (53 عاما): "لم أكن أعاني من أي مرض إلى أن أجريت عملية استئصال المرارة، فقد اكتشف الأطباء حينها اصابتي بسرطان في الكبد، ثم قاموا بعد ذلك باستئصاله، ولم تعد تستطيع النوم بأي شكل".
ومن المفروض أن تتلقى المريضة موسى العلاج اللازم لقتل الخلايا السرطانية منذ تسعة أشهر، ولكن عدم توفر العلاج اللازم وإغلاق المعابر منعها من ذلك.
وترى الأخصائية النفسية غادة بن سعيد والحاصلة على ماجستير في سرطان الدم "اللوكيميا"، أن الحالة النفسية للمريضة هي السبب في تأخر شفائها، ودائماً ما تكون فكرتهن عن المرض سلبية بالتفكير بالموت، مما يولد لديهن الشعور بالخوف الشديد وقد يؤدي إلى دخولهن في حالة اكتئاب.
وتقول بن سعيد: " فداء احدى المريضات كانت تعاني من صدمة نفسية بسبب وفاة أمها جراء نفس المرض، وكان الاهمال الذي تعاني منه أكبر من معاناتها من المرض، فلم تتلقى من زوجها أي دعم أو اهتمام, فكان نادراً ما يأتي إلى زيارتها بالمستشفى أو يتصل بها ليطمئن عليها، حتى والدها كانت فكرته عن المرض خاطئة، فالجميع يتعامل معها على أنها ميتة في نهاية المطاف، مما أثر على حالتها النفسية بشكل كبير".
وعبرت بن سعيد عن حزنها، لوفاة مريضة السرطان فداء، بعد أن حاولت مقاومة المرض الا أنه تغلب عليها.
وأوضحت بن سعيد أن هناك 3 عناصر يجب أن تكون موجودة على أرض الواقع حتى يستطيع المريض مكافحة مرض السرطان وهي "الدعم النفسي والعامل الغذائي والعلاج الدوائي"، مشيرةً إلى أن أي نقص أو اهمال في أي عنصر من تلك العناصر قد يؤدي إلى ضعف في تقبل العلاج وتدهور صحة المريض.
وأشارت بن سعيد أن المرأة المصابة بالسرطان قادرة على أن تصبح أم وزوجة وأن تكوّن عائلة، ولها الحق بالحصول على حياة كريمة والعيش كباقي أفراد المجتمع دون تمييز.
وتؤكد إيمان شنن مدير برنامج العون والأمل لرعاية مرضى السرطان في غزة، أن العامل النفسي هو الأساس في علاج السرطان، فالمريض بحاجة إلى من يحتويه ويحتضنه ويدعمه ويشعره بأن السرطان ليس نهاية الحياة.
وعن المعاناة المتزايدة لمريضات السرطان تقول شنن: "كثير من النساء تم هجرهم من قبل أزواجهم بعد اصابتهم بمرض السرطان، ومعاملتهم معاملة المرأة الناقصة بعد استئصال الثدي أو تساقط شعرها جراء العلاج الكيماوي".
وأشارت إلى أن قلة وعي الناس في كيفية التعامل مع مرضى السرطان، واعتباره وصمة عار اجتماعية؛ هو السبب الأساسي في تدهور صحتهم.
وتضيف: "لم يشهد قطاع غزة منذ 23 عاما أي تطور في المجال الصحي لاسيما الجانب النفسي منه، وهذا ما سيؤدي بنا إلى كارثة حقيقية".
وطالبت شنن بضرورة انشاء مشفى مختص بأمراض السرطان داخل قطاع غزة يحتوي على قسم للدعم النفسي، للحد من معاناة المرضى وخفض نسبة الوفيات التي قد يتسبب بها الانهيار النفسي خلال فترة العلاج.
وتشير إحصائيات المركز القومي لرصد الأورام -التابع لوحدة نظم المعلومات الصحية بقطاع غزة- إلى وجود ما يزيد عن (9000) حالة إصابة سرطان بالقطاع، منها (1290) حالة إصابة بسرطان الثدي، والتي تمثل ما نسبته (18%) من إجمالي مرضى السرطان بقطاع غزة، وبنسبة( 31.4%) من مجمل الأمراض الخبيثة التي تصيب الإناث.