هجرة الغزيين إلى أوروبا.. أحلامٌ يعقبها الندم
غزة /سوا/محمد وهبة/ لم يكن يخطر في بال العديد من شباب غزة الذين هاجروا إلى أوروبا، بعد وصولهم إلى طريق مسدود في بلادهم، نتيجة الحروب، والحصار، وسوء الأوضاع الاقتصادية؛ أن يصلوا لمرحلة في قلب القارة الصفراء، "يتمنون فيها العودة مجددًا إلى غزة"!.
الصور المرسومة في مخيلة شبان غزة عن أحلام أوروبا، حول كثرة فرص العمل، والأجور الكبيرة التي يحصلون عليها، والمعاملة الحسنة للمهاجرين، سرعان ما تتحول إلى صدمة أعقبها الندم بعد مُشاهدتها على أرض الواقع.
رمزي حرزالله، كانت لديه صولات وجولات بحثًا عن طريقة للخروج من قطاع غزة نتيجة الواقع المأساوي الذي يمر فيه، وبعد محاولات عديدة تمكن من دخول مصر، والوصول إلى تركيا.
وعُرف عن حرزالله (29 عامًا، متزوج ولديه 5 أبناء)، بنقده السياسي الساخر، ما جعل حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يحوي آلاف المتابعين، وعند التواصل معهم عبر فيديو البث المباشر، كان يحذّرهم من القدوم إلى تركيا، لانعدام سبل حياة المهاجرين فيها.
ويقول حرزالله لوكالة "سوا" الإخبارية، "الحياة في تركيا بالنسبة للمهاجرين صعبة جدًا، تُعتبر فقط محطة للعبور إلى أوروبا، فلا يوجد عمل، وإن توفَرت فرصة تكون لتأمين المأكل والمشرب والمسكن فقط، أي لا يوجد مستقبل فيها".
ويعتبر قطاع غزة حسب بيانات البنك الدولي؛ الأعلى عالمياً في مستوى البطالة 41.7%، والأعلى في نسبة الفقر 65%، ومن الأعلى في نسبة تلوث المياه 95%، ومن الأعلى في معدلات انقطاع التيار الكهربائي 20-22 ساعة انقطاع يومياً، ومن الأعلى كثافة سكانية في العالم 5521 فرد/كم2.
جنّة الدجّال
البحث عن حياة كريمة في أوروبا، طريق بحث عنه الشاب العشريني أسامة، بعد خوضه لهجرة أوروبية، وارتحاله إلى 13 دولة، بدأها في إيطاليا، واستقر لمدة عام في السويد، وختامًا بقي في تركيا منذ سنوات.
يصف أسامة النمس، العيش في أوروبا بعد تجربته بـ "جنّة الدجّال"، ويقصد بها "جهنم"، ويسرد بعضًا من معاناته قائلًا، "هاجرت من تركيا عن طريق باخرة تحوي 670 مهاجرًا نحو إيطاليا، بواسطة مهرّبين، مخادعين، جل همَهم فقط ما في جيبك، ولا يعيرون أي اهتمام لنجاتك، تقاضوا عن كل شخص مبلغ 6 آلاف دولار أميركي".
ويضيف أبو خطاب: "عانينا الأمرين في هذه الهجرة، لا أحد يريد نجاتنا، حتى قُبيل لحظة وصولنا، هاجمتنا البوارج والطائرات الإيطالية بهدف إغراقنا، لنكون عبرة لمن بعدنا، وبعد وصولنا، سلكت طريقًا مررت خلاله بفرنسا وألمانيا والدنمارك وصولًا إلى السويد".
ويعتبر المهاجرون الفلسطينيون أن غالبية الدول الأوروبية تعاملهم معاملة "سيئة جدًا"، يضيف: "السويد لا تعطي المهاجر سوى 90 دولاراً أميركي شهرياً، وألمانيا 340 يورو، بينما لا يكفيان سوى للمأكل والمسكن"، مشيرا الى أن جميع من يعرفهم من المهاجرين يعانون من صعوبة الحياة ويتمنون الرجوع لغزة.
ووجه أسامة نصيحة لشباب غزة التي تفكّر بالهجرة، عبر فيديو نشره على موقع التواصل "فيسبوك"، قائلاً: "أعلم أن الأوضاع في غزة صعبة جدًا، ولكن لا تفكروا بالهجرة إلى أوروبا، حتى لا تندموا ما نحن نادمون عليه، وجودك بجانب أهلك وأولادك نعمة كبيرة، والهجرة لأوروبا كذبة أكبر".
ولجأ العديد من المهاجرين للتعبير عن مآسي حياة "الغربة"، من خلال منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، لإيصال رسالة لمن يفكّر بالهجرة، بأن يعيد حساباته ألف مرة.
الشاب ياسر، مُهاجر من غزة إلى هولندا، بات يتمنى بعد سماعه لأخبار اتفاق المُصالحة الأخير في القاهرة بين فتح و حماس ، أن ينتهي الانقسام وتتحسن الأوضاع، وكتب: "سأكون أول العائدين إلى غزة"، بعد وصفه للهجرة إلى أوروبا بـ "أكبر كذبة"، وأن "نار بلاده أفضل من جنة أوروبا"، وفق وصفه.
وكتب ياسر أيضا: "يا بائع التذاكر، لا تبع أحبابي الغربة، إن جاؤوك اكذب عليهم، أخبرهم أنه لا يوجد قطارات، لا تذاكر، لا بلاد غير هذه البلاد".
نجاح مُهاجر
وجود حلم تسعى إليه، مقترن بخطة محكمة أساسها العلم والتعلَم، والصبر على التكيَف مع المجتمع الغربي، من أهم الأساسيات التي تُساعدك على تحقيقه، فليس المقصد بالمُطلق من وراء هذا التقرير عكس صورة سلبية عن الحياة في أوروبا، بقدر نقل نماذج وتجارب واقعية لعينة من المهاجرين.
محمد عابد من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تخرج من كلية تكنولوجيا المعلومات في الجامعة الإسلامية، شغفه بحب السيارات وتقنياتها، جعله يهاجر أهله لإكمال حلمه، وتوجَه لدراسة الماجستير في ألمانيا، كونها من أوائل الدول المُصدّرة للسيارات في العالم.
ويصف عابد (29 عامًا) لـ "سوا"، بداية حياته في مدينة هانوفر الألمانية، بالصعبة، قائلًا: "عملت بجانب دراستي في أحد المطاعم، وكذلك عاملًا للتنظيف في عدة أماكن، بالإضافة لأنني كنت مساعدًا لبروفيسور جامعي في عمله الأكاديمي، والراتب كان لا يكفي سوى، للتأمين الصحي، وأجرة غرفتي السكنية".
تعلَم "عابد" اللغة الألمانية بظرف 6 أشهر، وحصل على فرصة تدريب "مهندس برمجي" في إحدى شركات "فولوكس فاجن" العالمية للسيارات، ونظرًا لنبوغه بهذا المجال، وإثبات جدارته؛ عرضت عليه الشركة أن يكون أحد موظفيها الرسميين، ليحصل بعدها على الجنسية الألمانية بعد مكوثه 6 أعوام.