الظاهرة أصبحت تغزو كل مقومات المجتمع، نتيجة للاستبداد الفكري الطويل الأمد الذي يعاني منه العوام بعد أن شكلت الرقابة الذاتية سيفا مسلطا دائم السُلال على تفكيرهم، من يحتاج التغيير في المجتمع فعلية أن يدفع ثمنا لذلك، دون الحديث عن تناقضات فكرية أو دينية أو الدخول في مهاترات الأحزاب والفصائل وميولها العلمانية والإسلامية والشيوعية وغيرها من المعتقدات .

الغريب في الأمر أنه لا تناقض فكري ما بين الأنظمة الحالية المتتالية فجميعها مفعمة بحب السلطة والتملك وكلها تسير وفق نظام المصالح العليا المشتركة للحزب والحكومة، وجميعها متفقة على أن جيب المواطن هو الداعم الأول لأنشطة وفعاليات الحكومة وموظفيها، ان التناقض في عالمنا الواقعي أصبح ملموسا، ففي الصباح ينتقد السائق سرعة السيارة التي تجاوزت عنه، ونسي أنه قبل قليل ألقى بعقب السجائر من شباك سيارته، ولم ينسى المواطن الصالح أن ينتقد المؤسسة الرسمية التي تخاذلت بواجبها ولم تصلح الطرق المكسرة والغير صالحة مستشهدا بقول سيدنا عمر " لمَ لم تفسح لها الطريق يا عمر "، ونسى أنه ترك صنبور الماء مفتوحا على مصراعيه في الشارع أمام بيته.

إنها ظاهرة المواطن المتناقض الذي عاش يجمع ثقافات الاستبداد والظلم والظلام والحريات والمعتقدات والديمقراطيات وتعايش مع البرجوازيين واللبراليين ونفسه أن يكون منهم، ولكن واقعه الكادح يجعل منه إنسان منقطع النصيب، يحلم بالنجوم ويعدها ويرنو في أفكاره عمق السماء باحثا عن فرصة للنجاة من طوق الفقر والعدم، انه المواطن الذي يحلم فقط ويرى الأغنياء يطبقون أحلامه.

ذلك المواطن الذي اعتاد دائما أن ينادي بالعدل والمساواة في توزيع الظلم على طبقات المجتمع بالتساوي، هو نفسه الذي يقدس صغار موظفي الحكومة ويوقر كبارهم ويعتبرهم المثل الأعلى وقدوة يحتذى بها، الصراع بين الثقافات الحزبية والوطنية والشيوعية أنتجت مواطنا متناقضا، يعيش مرة فصولا من التشاؤم بعد أن رأى ما حصل من تغير في سياسة وجغرافيا عدد من الدول التي عاشت ما يسمى "ثورات الربيع العربي"، ومرات أخرى لحظات من التفاؤل نتيجة فوز فريقه المفضل في مباراة كرة قدم.

يمكن تقديس الثورات الحرة والشعبية والتحررية في كل بقاع العالم إلا في عالمنا العربي، فالثورات يصنعها الفقراء والكادحين والفقراء والشرفاء ويجنى ثمارها الجبناء وأصحاب رؤوس الأموال، لذا فقد عاش المواطن المتناقض أيضا فصولا أخرى في حياته بعدم الإيمان المطلق بإفرازات الثورات، نتيجة سرقتها وتحويل مسارها باتجاه أهواء ومصالح شخصية سواء للأحزاب أو أجهزة الأمن الدولية.

هناك رؤية جديدة للمجتمع المدني بأن تكون مقومات الدولة شعارات رنانة تُرفع حينما يحتاج السياسيين لأصوات الفقراء من اجل تعزيز مكانتهم وتمتين قوتهم وفرض سيطرتهم " العدالة الحرية الكرامة "، لقد كره المواطن المتناقض تلك الكلمات الثلاث لأنه يسمع عنها في نشرات الأخبار ولا يراها على ارض الواقع، وهذا ما سبب لدية صراع بين ثقافة الكذب وثقافة عدم التطبيق وأن أسباب النهضة المدنية في المجتمع العربي لا يمكن أن يُكتب لها النجاح بسبب الكذب والدجل الذي يمارسه رأس الهرم.

 تنحني الشعوب العربية ونحن لسنا بالبعيد عنها من اجل تقبيل أيدي الرؤساء والزعماء والقيادات، في حين لا نجد ذلك في الدول الأوروبية، والسبب أننا تعودنا على تقبيل الأيادي من اجل لقمة العيش، وان الكرامة تعني لنا أن نعيش وبطوننا مليئة بالخبز، والعدالة تعني أن يتوزع الظلم بالتساوي ، والحرية هي أن تحفظ رأسك عند تغيير الدول .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد