منسوجات تراثية ترى النور خارج حدود قطاع غزة

اليازجي داخل معمله

غزة / سوا/ حاتم هاني الرواغ / في بيت السيدة أُم صالح أبو عمرة، كُراتُ من الصوف منثورة في كل مكان، تحمل ألواناً زاهية، وأشكالاً مختلفة من مشغولات تراثية متعددة الأحجام، ترمز ألوانها إلى العلم الفلسطيني، وتحمل في طياتها عبق الماضي العريق .

أبو عمرة (52 عاماً) تسكن مدينة غزة، وتعمل في صناعة وحياكة المنسوجات التراثية الفلسطينية بإستخدام الصوف وتحويلها إلى أشكال ذات ألوان جميلة، تُستخدم في الأفراح وتزين البيوت، وأيضاً تُعرض على شكل قطع كبيرة تستخدم في تزين سيارات الأفراح والمجالس العربية.

اعتمدت السيدة على الصوف في مهنتها فاستطاعت أن تشق طريقها، بعد أن توارثت حياكة المنسوجات من جداتها، وتمكنت من أن تعلمها وتورثها لابنتها ولزوجة إبنها لمساعدتها في هذه المهنة التي أوشكت على الإندثار، بفعل التقدم في شتى مناحي الحياة.

بأدوات بدائية جداً، إبرة وبعض الخيوط الصوفية، تُحيك أم صالح قطعة كبيرة من النسيج تحمل أشكالاً ورسومات مختلفة، تستمر في صناعتها لأيام طويلة وقد تستغرق قرابة 3 أشهر لإنتاج قطعة بطول عشرة أمتار، قد يصل سعرها داخل قطاع غزة إلى (150 دولار أمريكي).

تقول أُم صالح أن :"قُرابة خمسة سيدات فقط في قطاع غزة مازلن يمارسن هذه المهنة، ومنهن من تجاوزن الـ90 عاماً ".

 

 

وفي زاوية أُخرى داخل منزلها، غطاءٌ لمروحةٍ قديمة، موجود عليه بعضاً من خيوط الصوف الحمراء، مُحاك بطريقة متشابكة، مُشكلةً لوحةً فنية تراثية.


وعند السؤال عن هذا الغطاء أجابت أبو عمرة " أن هذه الشبكة عبارة عن غطاء مروحة قديمة، يتم تحويلها بإستخدام خيوط الصوف إلى صينية تستخدمها العروس في حفل زفافها بوضع الذهب والحناء بداخلها ". 

ومع انتشار الأفراح والمناسبات التي تحمل الطابع البدوي، تؤكد أبو عمرة، أن نسبة الإقبال على شراء واقتناء المنسوجات التراثية زادت بنسبة كبيرة، حيث مكنتها من تصدير هذه المُنتجات إلى خارج حدود قطاع غزة.

وتضيف: "أن لها أقارب في مدينة بئر السبع  تمكنوا من استيراد ما تصنعه من منسوجات تراثية وتسويقها داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة عام 1948، وبأسعار مرتفعة مقارنةً بما يتم تسويقه داخل قطاع غزة".

بينما المُسن أكرم اليازجي (60عاماً) الذي جعل من غرفة نومه معرضاً ومشغلاً لآلة "النول" الخشبي، والتي يُنسج عليها قطع من البساط اليدوي (السجاد)، واللوحات الفنية التي يُستخدم فيها الصوف.

اليازجي ورث مهنة النسيج من والده وأورثها أيضاً لأبنائه الستة، والذين بدورهم يساعدون والدهم في نسيج وحياكة البُسط بكميات كبيرة، لبيعها في الأسواق وتصديرها للخارج أحياناً.

ويعتبر النسيج اليدوي من المهن العريقة التي ارتبطت بحياة الفلسطينيين منذ القدم ومتصلة بتاريخهم وتراثهم وحضارتهم، حيث ارتكزت هذه الصناعة في قطاع غزة، وبقي أصحاب مهنة النسيج متمسكين ومحافظين عليها.

بعد أن تعرض محل اليازجي للاحتراق بفعل ماس كهربائي عام 2014 ومكث بعدها لمدة عامين بدون آلة النول التي يمارس عليه مهنته، ونتيجة الطلب المتزايد على المُنتجات التي يصنعها لجأ اليازجي إلى إنشاء "نول" جديد داخل غرفة نومه.

ويقضي اليازجي حوالي 7 ساعات يومياً خلف هذه الآلة، واصفاً إياها بالرياضة، ليُنتج خلال اليوم قطعة واحدة فقط من البساط بطول (4 أمتار).

ويتم بيع المنسوجات وتسويقها داخل قطاع غزة عن طريق عرضها في محلات المفروشات ولكن بالكمية المناسبة، فيما يتم تصديرها حالياً إلي خارج حدود القطاع عن طريق معبر كرم أبو سالم مُتجهة إلى الضفة الغربية و القدس .

بدوره يقوم التاجر أبو حمزة من مدينة الخليل، باستيراد ما يتم إنتاجه من منسوجات يدوية في قطاع غزة عن طريق معبر كرم أبو سالم ، ليبيعها في أسواق الضفة الغربية والقدس، وأيضاً ليصدرها لخارج حدود فلسطين عبر وفود وزوار أجانب من عدة دول.

ويصف أبو حمزة هذه المنسوجات بـ "الهوية المصنوعة بأيدي أهالي قطاع غزة"، لما تحمل من عراقة وحرفة جميلة تنتقل من جيل لأخر لتحافظ على التراث الفلسطيني.

ويأمل التاجر أن تسمح سلطات الاحتلال الاسرائيلي بإدخال كميات وأصناف جديدة من المنسوجات الغزية ونقلها بسهولة إلى الضفة الغربية والمدينة المقدسة.

ويضيف الحرفي اليازجي، أن سعر البساط داخل قطاع غزة قرابة (80 دولار أمريكي) بينما في الضفة الغربية والقدس قد يصل إلى (200 دولار أمريكي)، بينما لا توجد آلات نول في الضفة الغربية والقدس ويقتصر تواجدها فقط داخل قطاع غزة.

وانتشرت البُسط الملونة والمنسوجات اليدوية التي تنتجها آلة "النول" بشكل ملحوظ في الأفراح الفلسطينية، حيث زُينت المنازل بها وبيت الشعر والمجالس العربية، وأصبحت رمز للتراث الفلسطيني.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد