أزمة الرواتب تضع موظفي السلطة بغزة تحت خط الفقر
غزة / سوا / إسراء شحادة/ لم تجد أم محمد النجار (49 عاما) وسيلة لسد احتياجات أسرتها؛ سوى الاستدانة من أقاربها ومعارفها بعد الخصم الذي طال راتب زوجها بشكل مفاجئ، بعد قرار الحكومة الفلسطينية اقتطاع جزءًا من رواتب موظفيها بغزة.
عائلة النجار والآلاف من عائلات الموظفين في غزة؛ باتوا يعانون وبشكل كبير من الأزمة المالية التي طالت كافة القطاعات, بشكل مباشر وغير مباشر، خاصة وأن تلك العائلات كانت قد وضعت خططها المستقبلية بناء على استقرار صرف رواتبهم.
وبدأ الخصم يطبق على الموظفين مع ابتداء شهر نيسان الماضي، في الوقت الذي تتكدس فيه المناسبات المختلفة منها، شهر رمضان و عيد الفطر وبداية العام الدراسي الجديد وعيد الأضحى المبارك, ما سبب عبئاً اضافياً أثقل كاهل الموظفين وعائلاتهم.
"أم محمد" ربة أسرة مكونة من 10 أشخاص تسكن في مخيم جباليا شمال القطاع، جميعهم يتلقون التعليم المدرسي والجامعي، تقول أنها تأثرت بشكل كبير بفعل أزمة الرواتب، الأمر الذي دفعهم لعرض منزل العائلة للبيع.
وأضافت النجار لوكالة "سوا" الاخبارية: "لدي ثلاثة أبناء يدرسون في الخارج, والرابعة أنهت دراسة الثانوية العامة العام الماضي وتحلم بدراسة الطب، ولكنها حصلت على نصف منحة, ويتبقى قرابة 3500 دولار أمريكي لسد باقي التكاليف".
وتابعت: " كنت أتمنى أن تحصل على منحة كاملة, فبالكاد استطيع سد الاحتياجات والمتطلبات الأساسية"، معربةً عن خوفها الشديد من ضياع حلم ابنتها.
وكانت الحكومة الفلسطينية قد أقرت اجراءات تقشفية على موظفي السلطة في قطاع غزة بعدما أعلنت أنها تواجه أزمة مالية خانقة, وقررت أن تواجه هذه الأزمة بخصم حوالي 30% من رواتب موظفيها بالقطاع، واحالة أعداد كبيرة منهم للتقاعد المبكر.
ولم تتوقف الأزمة عند عائلة النجار فقط، فأم محمود صيدم (43 عاما) باتت تعاني وبشكل كبير بسبب أزمة الرواتب، لاسيما أن لديها ابنة تدرس الطب في جامعة الأزهر وابن آخر يدرس الهندسة في دولة الصين، وهي تحتاج لقرابة 1500 دولار شهرياً لسد احتياجات أبنائها الطلبة.
وعن معاناتها منذ بدء الأزمة، توضح صيدم: "اضطررت لبيع مصاغي ودفع الرسوم لأبنائي ولكن لا أعرف ماذا سأفعل خلال الأيام المقبلة في ظل استمرار سوء الأوضاع ووصول راتب زوجها الى 40% عما كان قبل بدء الأزمة".
أستاذ العلوم السياسية والاقتصاد في جامعة الأقصى بغزة أيمن السيسي، وأحد الموظفين الذين طالهم الخصم، اضطر لإيقاف ابنه وابنته عن دراستهم الجامعية لعدم مقدرته على دفع الرسوم الدراسية بعد اشتداد الأزمة.
وقال السيسي لـ"سوا" إن هناك ما يقارب من 58 ألف موظف في غزة تأثروا بالخصومات التي طالت رواتبهم، ما تسبب في ضعف القوة الشرائية بالأسواق, محذراً من انهيار اقتصادي في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
ونوه السيسي إلى أن أزمة الرواتب تسببت في ضغوطات نفسية كبيرة للموظفين في الأشهر الأخيرة، مضيفا: "قد يؤدي هذا الوضع إلى ارتفاع مستوى الجريمة في قطاع غزة, وقد بدأت أثار هذه الظاهرة بانتشار حالات السرقة والانتحار مؤخراً، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية بشكل عام".
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر معين رجب، أن أزمة الرواتب زادت الأمور تعقيداً على الصعيد المادي بالنسبة للموظفين، لاسيما أن أغلب الموظفين كانوا قد حصلوا على قروض من البنوك.
وأضاف:" الموظفين كانوا يبنون أمالاً كبيرة على ديمومة رواتبهم دون نقص، وعندما حدثت الخصومات تسبب ذلك في حدوث شرخاً في حياتهم".
ونوه رجب لـ "سوا" إلى أن جزءاً كبيراً من موظفي السلطة يعيشون الآن تحت خط الفقر، لافتاً إلى أن جزء كبير منهم يحتاجون للحصول على المساعدات الاغاثية بشكل عاجل, مشيراً إلى أن تكدس المناسبات في الفترة الماضية من أعياد وموسم المدارس وغيرها, زاد الأمور تعقيداً
وحذر رجب من استمرار الوضع على ما هو عليه، مضيفا: "أعتقد بأن هناك عدد من المستثمرين قد يتجهون في الأيام القادمة إلى استثمار أموالهم في الخارج وهذا يعني حدوث تفريغ تدريجي للقطاع بسبب انعدام فرص الحياة الطبيعية".