في كل يوم أجد نفسي مضطرا للإجابة على الأسئلة الصعبة، متى يتحسن جدول توزيع الكهرباء؟ ما هو الجدول المعمول به هذه الأيام؟ متى نعود لجدول ال8 ساعات وصل، تلك الأسئلة الاعتيادية والتي باتت تشكل عبئا أخرا من أعباء الحياة اليومية، فهي الشغل الشاغل للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة الذي ينتظر سيلا من الانفراجات على صُعد متعددة بالكاد تساهم في تحسين ظروف حياة 2 مليون إنسان يعيشون ظروف الحصار والإغلاق منذ عشر سنوات، ما يحاجه المواطن الفلسطيني عدة انفراجات في المستويات الاقتصادية والإنسانية والخدماتية والسياسية.

أولا : الانفراجة الاقتصادية، والتي لا يخفى على أحد أنها تعيش أسوا فصولها منذ انتفاضة الأقصى حيث منعت قوات الاحتلال عشرات آلاف من العمال من الدخول للعمل داخل إسرائيل، وما ترتب على ذلك من ارتفاع في معدلات الفقر والبطالة في صفوف العمال، نهيك عن الإعداد المتزايدة من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل والذين يبحثون عن أدنى فرصة من اجل تلبية احتياجاتهم، بالإضافة إلي تعطل وتدمير عدد من المصانع والوروش الصغيرة نتيجة الحروب المتتالية وظروف الحصار ومنع وصول مواد البناء ومواد الخام إلي مصانع غزة.

كل ذلك كان سببا في تردي الأوضاع الاقتصادية داخل قطاع غزة، ولكن في الآونة الأخيرة ومع بداية عام 2017 فقد ارتفعت حدة السجال السياسي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة ليصل إلى تقليص السلطة الفلسطينية لنسبة 30 % من مرتبات موظفيها، ومن ثم إجراءات أخرى بإلزام عدد آخر من الموظفين بالتقاعد المبكر، ووقف صرف مخصصات مالية لشركة الكهرباء الإسرائيلية التي تزود سكان القطاع بالكهرباء، وتقليص التحويلات الطبية الخاصة بمرضى غزة إلي المستشفيات في الضفة و القدس .

ثانيا: الانفراجة الإنسانية: في الآونة الأخيرة زادت معاناة قرابة 30 ألف مسافر قيدوا أسمائهم في كشوفات وزارة الداخلية في غزة ويريدون السفر عبر معبر رفح البري، هذا المعبر المغلق دائما ولا يتم فتحه إلا في المناسبات أو لأوضاع استثنائية لخروج مرضى أو غيرهم، ومنذ فترة طويلة لا يتم فتح المعبر بسبب الخلافات السياسية ما بين الفلسطينيين حسب ما يقول المصريين ولكن هناك دائما ذرائع أن الوضع الأمني في سيناء لا يسمح بفتح المعبر، للتذكير فقط أن معبر رفح هو الشريان الحيوي والوحيد الذي يربط الفلسطينيين في غزة بالعالم الخارجي، نهيك عن عدم تمكن عدد كبير من مواطني غزة من العبور عبر معبر بيت حانون ايرز لوجود قوات الاحتلال الإسرائيلي والتي ترفض إعطاء التصاريح اللازمة لمرور الفلسطينيين من خلاله.

ثالثا: الانفراجة الخدماتية، والتي تتمثل في ما نشرته مؤسسات الأمم المتحدة في العام 2012، عندما نشرت تقريرا مفصلا عن الوضع الخدماتي والبيئي والصحي والمائي في قطاع غزة، وقالت وقتها أن قطاع غزة لا يمكن أن يكون بيئة صالحة للحياة وأن مياه الشرب لن تكون صالحة للاستخدام الآدمي في عام 2020، نقترب رويدا رويدا من عام 2020م، ولم يتم بذل المزيد من الجهود من اجل إنقاذ الحياة في غزة، فلازالت مياه الصرف الصحي تجد طريقها إلي البحر دون معالجة، وكذلك تعاني مخيمات قطاع غزة من انقطاع دائم للمياه وان وجدت فإنها غير صالحة للشرب، ولا تزال بلديات قطاع غزة تبحث عن مصادر لتمويل مشاريع البنية التحتية وتعبيد الشوارع التي مرت على إنشائها قرابة العشر سنوات دون ترميم أو تعبيد من جديد، نهيك عن وضع شبكات الكهرباء والتي يتم فقدان قرابة 30% من التيار الكهربائي في غزة، ولا ننسى أن مؤسسات دولية وإقليمية " تنموية – اغاثية " أغلقت أبوابها في غزة، مما زاد من حالات الفقر نهيك عن الأزمة التي تعانيها وكالة الغوث الاونروا والتي تقلص هي الأخرى خدماتها الإنسانية في قطاع غزة.

رابعا: الانفراجة السياسية، في آخر مرة اجتمع فيها الفلسطينيون متحاورين ومتوحدين وطنيا وفي البيت الفلسطيني كانت في مخيم الشاطئ قبيل توقيع "اتفاق الشاطئ" والذي أفضى بتشكيل حكومة الوفاق الوطني، ومنذ ذلك اليوم لم يتم عقد لقاءات من اجل تطبيق باقي بنود الاتفاق ودخلنا في جفاء سياسي بين القيادات الفلسطينية، وذهبت الجهود أدراج الرياح بعد الفشل في إنجاح تجربة الانتخابات البلدية قبل عام، لذلك بقيت الرهانات معلقة على حالات مجهولة الهوية من اجل إنعاش فرص لقاء السياسيين الفلسطينيين من جديد لطي صفحة الانقسام السياسي، ولكن ما حدث من نتائج الانتخابات الأمريكية وصعود نجم ترامب الجمهوري إلي سده الحكم في الولايات المتحدة، أجّل فرص اللقاء من جديد ، لاعتقاد القيادة الفلسطينية أن صفقة القرن التي أعلن عنها ترامب ستكون فاتحة خير على الفلسطينيين، ولكن مواطني غزة لا يعنيهم غير أن تتحسن ظروف حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، لذا فان صناعة قرار وطني فلسطيني موحد تجتمع علية كافة الفصائل الوطنية والإسلامية سواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية أو من خلال صياغة دستور وطني جديد هو بمثابة سفينة الإنقاذ من وحل الغرق في مستنقع القضاء على حلم الدولة الفلسطينية من جانب والبقاء على حصار وتجويع سكان قطاع غزة من جانب آخر. 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد