2014/10/27
292-TRIAL-
بشاعة غير معقولة، وإرهاب غير مسبوق، ولا إنسانية وصلت قعر الانحدار، ما حدث في سيناء مطلع الأسبوع من هجوم إرهابي يكشف الوجه الحقيقي لأعداء الدولة في مصر، ويدلل على أن المستهدف هي مصر ووحدة مصر ومستقبل الدولة المصرية.
إن الصورة المؤلمة التي شاهدناها تقول حقيقة واحدة أن ثمة من يتربص بمصر شراً ويريد لمصر، دولة العرب الأولى، أن تصبح ممزقة وغير قادرة على الحكم والسيطرة، وبالتالي العصف بآخر ما تبقى من تماسك وقوة عند العرب.
مصر التي حاولت بحذر سلوك منعرجات التحولات الديمقراطية – دون تقييم ما جرى فيها – حيث أن اهم ما حدث في مصر هو حماية الدولة من الانهيار وحمايتها من التفكك ومن أن تتحول إلى جسد ممزق.
إن قراءة ما يجري في المنطقة العربية يصيب المتابع بالكثير من الشك أن ما يحدث ليس صدفة، فليس صدفة أن تتمزق العراق وتتحول إلى جيوش ومجموعات تتقاتل وإثنيات وطوائف تتصارع، وتصبح الدولة أضعف الجهات المتخاصمة، إن لم تعد غير موجودة في معادلة الصراع، وليس صدفة أيضاً أن تتمزق سورية وتتحول إلى ساحة حرب بين جيوش ومجموعات مسلحة تتوالد وتفرخ كل يوم جيشاً ومجموعة جديدة، وسورية التي نعتقد بالطبع بوجوب التغير الديمقراطي فيها ورحيل النظام، تعاني الآن لأكثر من ثلاث سنوات من عدم الاستقرار، وليس صدفة أيضاً أن تخرج علينا "داعش" لتلتهم مساحات شاسعة من العرق وسورية وتنشط في مناطق مختلفة تمتد من الجزيرة العربية حتى المغرب، تنظيم لا يعرف أحد أصله ولا فصله، وإن كان يمثل ذروة التطرف الديني، يلتهم دولاً ويعجز المجتمع الدولي عن الوقوف في وجهه، بل ويعلن خلافة ودولة خاصة به، وليس صدفة ما يجري في ليبيا من اقتتال وتمزق للدولة وسيطرة مجموعات مختلفة على بنغازي وتفكك وحدة الدولة الليبية ورجوعها إلى عهد ما قبل القبيلة حتى، رغم أن المجتمع الدولي استخدم أقصى قوته للإطاحة بنظام القذافي ولم يستخدم وخزة إبرة لإعادة الدولة لليبيا، وليس صدفة ما يجري في اليمن من اقتتال وسيطرة الميليشيات على الدولة ووقوف الدولة عاجزة عن فعل أي شي، بل إن ثمة تحولات كبرى تجري تعيد الدولة إلى مجتمع القبيلة، وليس صدفة ما يجري في مصر من بشاعة وإصرار على عدم استقرار الدولة المصرية، وإغراق مصر في بحر من الظلام وفي محيطات من الفوضى العارمة.
إن من يعتقد بصدفة كل ذلك لابد أن يظن أنه وجد أيضاً على هذا الكوكب صدفة، ولما أنني لست من عشاق التأويل التآمري للأحداث الذي يحيل كل شيء لمؤامرة مجهولة، فإن كون كل ما يجري ليس صدفة، فثمة نمط ثابت بات يحكم السياسة في الإقليم، نمط يعيد إنتاج إشارات الانهيار والتراجع في بنى الدولة الوطنية لصالح تمزقات تتموضع في قوالب إثنية أو عرقية أو حزبية ضيقة.
دخلت فكرة الدولة الآيلة للسقوط قاموس السياسة الدولية حديثاً وهي في جزء منها كانت فكرة ترمي إلى تبرير التدخل الدولي في شؤون تلك الدول الآيلة للسقوط، فالدولة الآيلة للسقوط هي دولة غير قادرة على الوقوف على قدميها وحيدة، فهي من جهة لا تحكم سيطرتها على البلاد المفككة بسبب وجود مجموعات وميليشيات مختلفة تقوم بالسيطرة على أجزاء مختلفة منها، أي أنها تفقد الخاصية الأساسية التي تميز الدولة عن أي تجمع وائتلاف سياسي أو اجتماعي، أي احتكار العنف المشروع بكلمات ماكس فيبر الشهيرة. وهي من جهة ثانية، وربما نتيجة للأولى، غير قادرة على تقديم خدمات لمجتمع المواطنين الذي يصبح غير قادر على تلمس وجود الدولة أو هي تصبح غير موجودة بالنسبة له، وحين تعجز الدولة عن تقديم خدمات لمواطنيها، بالطبع الخدمات الأساسية وليست خدمات الرفاهية، وتصبح غير قادرة على السيطرة على إقليمها، فإنها لا تعود دولة. وبمراجعة سريعة لواقع الكثير من الدولة فإن العشرات من الدول يمكن أن نسميها دولاً بفضل عضويتها في الأمم المتحدة فقط.
ليس هذا باب القصيد، إذ إن ضعف هذه الدول هو نتيجة حتمية لسياسات الاستعمار التعسفية في رسم حدودها التي لم تراعِ التوزيع القبلي والحساسيات الإثنية، بل جاء وفق مصالح استعمارية، والأهم من ذلك هو حالة الفقر والتخلف المقصود الذي تركت فيه هذه الدول، وحديثاً استعمارها اقتصادياً عبر الديون والتكييفات الهيكلية التي فرضتها مؤسسات بريتن وودز عليها.
هذا شكل مدخلاً لسياسات التدخل في سياسات الدول وفي رسم مستقبلها بل وفي التقرير في طبيعة النخب التي تحكمها، بهذا المعني فإن جل دول الربيع العربي – باستثناء مصر حتى الآن وتونس - هي دول آيلة للسقوط. وإذا كانت كذلك فإن من حق المجتمع الدولي وحماية للسلم والاستقرار الكونيين، وربما يتم استخدام عبارة - وحماية لمواطني هذه الدول - أن يتدخل من أجل إنقاذ الدولة من أن تتحول إلى تنين يبتلع مواطنيه، أو تصبح عاجزة عن أن تكون حامية لهم، بل عنصر توتير وأزمات.
ما يجري في الدول العربية ليس بريئا تماماً، إذ إن ثمة تدخلات خارجية قوية في بعض الأحيان تعمل على تمزيق الدولة العربية لإعادة المجتمعات العربية إلى مرحلة ما قبل الدولة، وهي مرحلة تبرز فيها الشقاقات والإثنيات والمذاهب والمحليات الضيقة على حساب وحدة المجتمع.
إن قراءة ما يجري في مصر من هذه الزاوية يكشف لنا ضرورة أن تكون الدولة المصرية قوية وقادرة على التماسك وعلى وأد الإرهاب والإمساك بزمام الأمور، لاحظوا كيف يتم استهداف جيش الدولة ومؤسسات الدولة وهيبة الدولة، فالمستهدف هو فكرة الدولة ووجودها بوصفها معبرة عن إرادة المواطنين الجماعية وبوصفها حامية لمصالحهم.
وإن مصلحة فلسطين وشعب فلسطين تكمن في ذلك وليس في شيء آخر. فمصر القوية تعني أن العرب بخير. 265
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية