بعد التفجير الداعشي الأول في غزة ، وندعو الله ونتضرع له أن يكون الاخير، لا مكان للعتاب عما سلف وهو كبير ويحمل اخطاء كثيرة، اليوم نحتاج مراجعة جادة وشاملة، وتوبة وطنية وانصاف للعقل والفكر الانساني، فالله لم يرسل رسله إلا من اجل الاصلاح واعمار الارض بأدوات العلم والتقوى والاحسان، لقد دقعت ساعة خطيرة وجيوب الفكر الداعشي تتمدد في ما هو منظور، وما خفي كان أعظم في بيئة يلتهمها الفقر وفقدان الامل والثقة وغياب الغايات الجماعية جراء التناحر السياسي لحد جعل الاحتلال خصم ثانوي، فيما شركاء الوطن أعداء بالمطلق بما ينافي كل القيم والمنطق ويصل إلى حد الجنون.

 

أمام الدم والأحزمة الناسفة والجرأة بفعل الجبن لا الشجاعة يجب التوقف لغلق أوكار هذا الفكر وحرق عشرات الكتب الملونة والميسرة التي لا تضع خطا فاصلا بين روايات القتل ورسالة مكارم الاخلاق والرحمة، انها الكتب التي أصبحت بفعل التكنولوجيا جيش الكتروني من الدعاة والقصص والتفسيرات التي تجند السطحيين والمحبطين والمُغرر بهم.

 

فتشوا في الجامعات والمساجد عن فتاوى الموت، وادعاءات التكفير والاستهانة بأرواح الناس والتمتع المقيت بالقتل والصلب والذبح والتفجير بما لا تقبله نفس سوية، اجمعوا كتب الفتنة وكمموا أفواه الناطقين بدعوات التكفير والتخوين والقتل، فمن يدعوا للقتل معكم في لحظة نشوة القوة سيحمل سكينه ليطعنكم في الظهر عندما يعلو لواء غيرك، ومن يفتي بالقتل كأجير لك سيصبح أجير لغيرك يوما ما، فالجريمة تتحرك في كل الاتجاهات ولا حاجز يمنعها إلا استئصال الفكر واغلاق أبواق الفتنة ولجم أنصاف القراء الذي يتشدقون بالخرافات وينطقون صباحا ومساءا بلسان الموت، ويلون أعناق الاحاديث متناسين الأصول توسعا في الثانويات مستغلين عاطفة مزيفة وفقر الجهلة من المأزومين اجتماعيا ومرضى العقل، أصحاب القلوب المحشوة برغبات الانتقام والحقد.

 

الأمر جلل وله خطورة في وضعنا الفلسطيني عموما، وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة، فالاحتلال الذي جند قاتل الشهيد مازن فقها على مدار سنوات بالموت قادر على تجنيد العشرات في بيئة تتفق التقييمات الدولية والمحلية على أنها الأسوأ فقرا وتلوثا وضغطا وتتسع المساحة بين العاطلين العمل وأصحاب الامتيازات، احذروا الاحتلال قادر على التسلل في المناطق المجهولة والعميقة ويمتلك من المعلومات والتكنولوجيا لتحريك جيل من المخدوعين والمهمشين للموت وتأزيم المشهد وتحويل غزة من عنوان لظلم الانسان وسجن البشر الى مكان للفوضى والاضطراب والفتنة ويصعب الحل ويغلق باب التراجع ويصبح الندم من الماضي.

 

الخطر الامني من استغلال المساحات القاتمة وما يعتمل في النفوس الغاضبة والعقول المغيبة يجعل المسؤولية كبيرة على كل الاطراف لحصر الموت ووأد الفتنة بقرارات شجاعة وتنازلات داخلية تتجاوز المأزق وتعيد الاعتبار للشعب وقضيته، فالوطن يتسع للجميع ومواجهة الاحتلال تحتاج الجميع، وكل صاحب نية طيبة ومسعى خير، ومن هنا نحذر من التكبر والاستقواء بالقبضة الأمنية فقط والاستهانة بالثغور في جدار الوطن والتصدع في تأويلات النص ودعوات تغييب العقل والاستهانة في مواجهة مخططات جهنمية قد تزيد من العقاب الجماعي على الفلسطينيين وتعمل على تسويد الصورة وتفريغ مشهد الصراع مع الاحتلال لصالح اختلالات خطيرة.

 

المعالجة الوطنية والفكرية والتعامل الامني مع ظاهرة تنمو في الشقوق العميقة والسوداء لا تكفي لمعالجة أزمات تولد أزمات في سلسلة أولها منصات التعليم الأجوف والتدين الشكلي والظلم الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية وفقدان الألويات وتذييل قيمة الانسان في سلم الاهتمامات، في مستنقعات الطلاق والمخدرات والمشاكل العائلية المتفاقمة ورغبة الشباب في الهروب في اتجاهات مجهولة أكثر سوداوية.

 

منابع الفتنة والانحراف تحتاج اعلاء نماذج الاستقامة فلا يجوز الهجوم على دوائر تفريخ الانحراف العقلية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية دون حضور النموذج الوطني القادر على منح الثقة والأمل، والقادر على تعبئة شباب فلسطين نحو الغايات الكبرى بدلا من سراديب التخبط والتيه، لذلك أشعلوا شموع الشفافية ومكارم الأخلاق والنزاهة واعادة الاعتبار للخطيب والداعية الجامع، والمعلم المانع لأفكار الظلام، أحيوا الثقة في المدارس والمساجد والمشافي ونظفوا الطرقات وقبلها النفوس ولا تسمحوا للفاسدين وأشباه القادة باعتلاء المشهد وابحثوا عن الأكفاء الغيورين على شعبهم، مع تفعيل سيادة القانون والعدالة، لا تجعلوا همكم التناقض الداخلي والتشفي في الأخر وتحميله كل الاوزار، فيما يقبع الجميع تحت حذاء او فوه بندقية جنود الاحتلال.

 

افتحوا أبواب الأمل للشباب، وعززوا ثقافة الحياة والتسامح يهرب الانتقام أمام شجاعتكم ويكفي ما كبر في الخفاء وحاصروه بالاستقامة وأغلقوا منافذ الشيطان ليس في صفوف الصلاة فقط، بل بين قلوبكم وضيقوا على الشياطين مسارات الوهم بالجب وحينها ستصفد أبواب الفتنة وجيوب الشر، وإلا سينهار كل شيء ويعبث العدو بمستقبلنا ويفر الأصدقاء والأشقاء من جبهتنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد