في استعراض سريع نتائج الانتخابات المحلية بأثر رجعي، منذ محطتها الأولى في عام 2004؛ مروراً بمحطتها الثانية في عام 2012؛ وانتهاء بالمحطة الثالثة التي انتهت في نهاية تموز الماضي 2017. مع أخذ بالاعتبار المياه التي هدرت تحت الجسور الفلسطينية، يُلاحظ أن التجربة المحلية أصبحت ذات سمات نمطية أدت إلى الإخفاق في تحقيق الأهداف ومقاصدها. من بينها وربما أهمها: النجاح بالتزكية وعلاقتها العكسية مع حيوية المجتمع وتفاعله إيجاباً مع العملية الانتخابية برمتها، وثبات الموقف المجتمعي على حاله من مشاركة المرأة؛ بعد اعتماد الكوتا بالقانون.
التزكية سمة مرافقة للانتخابات تقتل المشاركة: لقد تمخضت الانتخابات المحلية في طبعتها عام 2017، عن اعتماد لجنة الانتخابات المحلية مئة وتسعاً وتسعين مجلساً محلياً بالتزكية، أي أن 55% من المجالس المحلية قد وصلت هيئات الحكم المحلي عن طريق التزكية، في الدوائر لم يُقَدَّم فيها سوى قائمة واحدة مكتملة العدد ومستوفية المعايير، علماً أن الأرقام تقول إن الانتخابات الحاصلة في عام 2012، قد أوصلت 51% من المجالس بالتزكية.
التزكية تتناسب عكسياً مع تفعيل المشاركة السياسية، فإن حرمت التزكية عشرات الألوف من المواطنين في الانتخابات الاستكمالية من حقهم بالاقتراع، فكيف الحال مع مئة وتسع وتسعين مجلساً حُرم مواطنوها من حق الاختيار والاقتراع؟ ألا يستحق ذلك اجراءات تمنع التزكية في الظرف الحالي؟
ليس اعتراضاً على التزكية كأحد أشكال الانتخاب، بل في تقديمها كمنتوج توافقي. كذلك فإن تصاعد وتيرتها مقلق للغاية في الحالة الفلسطينية لتحجيمها المشاركة السياسية، في واقع الانقسام وخلاف وصراعات داخلية، الأمر الذي يستدعي النظر للأسباب الحقيقية تحت القشرة: احتكار بعض الفئات الاجتماعية وتحديداً العشائر والعائلات قيادة المجتمع، حالة الترهيب تؤدي إلى قمع رغبات وطموح قوى شبابية وفئات وأفراد من التقدم للترشح؛ وصولاً للفقراء.
القراءة المجتمعية والسياسية لقوائم التزكية إرادوية وذاتية، عدا عن اتسامها بالمبالغة من الاتجاهين المعنيين بالموضوع، إن تم التسليم بأن المواقف تنحصر بوجهتي نظر، لا ثالث لهما. ما بين الاتجاه المشار إليه أعلاه. مقابل القراءة التي تعتبر قوائم التزكية خياراً إجبارياً من مخلَّفات القمع السياسي والاحتكار العشائري، أحد أشكال الاحباط والاستنكاف، تشويه وتقويض العملية الديمقراطية بما فيها الضغط على حرية الترشيح بشكل غير مباشر، في إطار الانقسام والخلاف.
لمعالجة قوائم التزكية والإحجام عن الترشح مهما كانت الأسباب والتبريرات، بحاجة إلى آليات رفع الوعي بأهمية تعبير المجتمع عن حالة التوافق والتعايش بالانتخاب الديمقراطي، بديلاً لإظهار التوافق ورسائله الملتبسة من خلال التزكية لالتباسها وتماهيها مع سياسة التعيين، ولمواجهة مشكلة اختلال النصاب في حالات الاستقالة، وهي إشكالية تتحول تدريجياً إلى ظاهرة في قطاع الحكم المحلي.
تفريغ «الكوتا» من وظيفتها المؤقتة: من المفترض أن إقرار «الكوتا» في قوانين الانتخابات، نقلت المشاركة النسوية من زاويتها الحادة إلى زاوية منفرجة الأضلاع. لكنها بسبب شكلانية الفكرة؛ لم تتمكن من تحقيق وظائفها المرجوة. حصّنَت وصول المرأة ولم تُحَصِّن وجودها وحقوقها. فالكوتا وسيلة تمكينية لا تعمل بمفردها بمعزل عن رؤية هدف التغيير بما يزيح أيقونات الثقافة التقليدية، لتحل مكانها ثقافة المساواة وحقوق المواطنة.
لقد أزاحت تجربة المرأة في الانتخابات المحلية الغشاوة عن وهم قدرة «الكوتا» تحقيق التغيير، وأثبتت أن التعامل معها كهدف؛ دفع المؤسسات النسوية إلى الركون إلى نعمة «الكوتا» والاعتماد عليها. التجربة النسوية في الحكم المحلي أداة قياس ومؤشر للوقوف على حدود التغيير الاجتماعي الحاصل، مِن ألِفِ تشكيلِ القوائم وترتيبها إلى نسبة تمثيلها في القوائم إلى ياءِ المشاركة الجدية في إدارة العمل والملفات، كذلك تثبت عملية الرصد والرقابة والشهادات أن الرأي العام إجمالا؛ يرى مشاركة المرأة كناخبة ويفضل النظر لها كمخزن للأصوات. يقاوم مشاركتها كصانعة قرار، يرفض التغيير.
في المطابخ الانتخابية، تحضر الأبعاد العشائرية وغالبا ما تطغى على الموقف الاجتماعي للحزب السياسي، علاقة مصلحية تقصي النساء، في الأحزاب والعائلات على حد سواء. «الكوتا» بمثابة طنجرة البخار «البريستو» التي تؤثر في تسريع إنضاج طبخة بعوامل خارجية، والأهم لضمان تحقيق «الكوتا» أغراضها المؤقتة، الضغط لإقرار القوانين الأخرى الحاسمة في تحديد مكانة المرأة وأهليتها واستقلاليتها: إصدار قانوني الأحوال الشخصية والعقوبات، بمنحى حقوقي ديمقراطي حداثي يؤثر في إحداث الاختراق للبنية الأبوية الصلدة، جنباً إلى جنب مع السياسات الرؤيوية والتدخلات للوصول للمجتمع المنشود، مجتمع المواطنة والعدالة الاجتماعية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية