موجة جديدة من التفاؤل، أشاعتها لقاءات وفد من حركة حماس في الضفة الغربية بالرئيس محمود عباس ، ووفد حركة فتح برئاسة نائب رئيسها مع الجبهة الشعبية.
الكلام طري في اللقاءين، ففي الأول، يدور الحديث عن تأكيد الرغبة في تحقيق المصالحة، فضلاً عن أن مجرد عقد اللقاء في المقر الرئاسي ب رام الله ، ينطوي على دلالات إيجابية تتجاوز أبعاد الجغرافيا، أما في الثاني، فإن اللقاء والاعتذار، ينطويان على دلالة التوجه نحو تحسين العلاقة بين "فتح" و"الشعبية" في إطار رؤية سياسية لقادم الأيام.
تزامنُ هذين اللقاءين، جعل بعض المحللين، والنخب، يرفعون سقف التفاؤل، بإمكانية دفع المصالحة الوطنية. المبادرات في الضفة و غزة لم تنقطع، وآخرها لقاء وطني جامع بدعوة من "وطنيون لإنهاء الانقسام" في رام الله، صدر عنه بيان كنت من بين الموقِّعين عليه، ويتضمن اقتراحات موضوعية جداً. ما يجعل التفاؤل وارداً في هذه الأيام أنه يأتي بعد الانتصار الذي حققه الفلسطينيون في معركة القدس ، وما أفاضت به من دروس، وتركته من آثار وتداعيات. ربما كان ما تقوم به حركة فتح إزاء ملف العلاقات الداخلية ناجما عن مراجعة لمعركة القدس، وقراءة، تسمح باستخلاص استنتاجات ودروس مهمة، يمكن أن تحدث تحولاً في رؤية الحركة والمجموع الوطني، لكيفية إدارة الصراع، والعلاقات الداخلية والخارجية. ولكن إذا صحّ ذلك، فإن شيئاً لا يمنع الحركة من إحداث عملية تفاعل وطني علني حول تلك الاستخلاصات، التي لا تستدعي السرية في العمل. غير أن الناس عموماً لا يشاطرون النخبة المتفائلة، تفاؤلها، فلقد فقد هؤلاء الأمل، حتى لم يعد موضوع المصالحة، مطروحاً في تفاعلاتهم اليومية، إلاّ من باب التهكم.
الوعي الشعبي، للقضايا والملفات الأساسية التي تشغل الفلسطينيين ينطوي على عمق، كرَّسته تجربة طويلة، ومعرفة بدلالات الأحداث ومآلاتها. الناس لم تعد "تغرق في شبر ماء"، كما يقولون، فلقد أصيبوا بعشرات خيبات الأمل، حتى لم يعودوا يصدقون كل الخطابات التي تصدر عن المستويات السياسية والفصائلية بشأن الانقسام ومخاطره، وآثاره. لم يعد الناس يصدقون، أو حتى يرغبون في الاستماع للخطاب المكرور حول حرص كل طرف على تحقيق المصالحة وتغيير واقع الحال.
المواطن أكثر حذراً من المحللين والنخب، وهو لا يصدق إلاّ ما ترى عيناه، وتلمس يداه، ولذلك فإن موقف الشارع الفلسطيني معلق إزاء كل الخيارات والسيناريوهات، والتحركات التي تتصل بالشأن الفلسطيني الداخلي. في الواقع فإن المواطن على حق، ذلك أن كل ملف العلاقات الداخلية الفلسطينية، لم يعد فلسطينياً خالصاً، بعد كل ما جرى خلال أكثر من عشر سنوات، من مراكمة للعقبات التي تحول دون تحقيق المصالحة الوطنية، هذا بالإضافة إلى انهيار الثقة بين حركتي حماس وفتح. الأسوأ أن المناكفات بين فتح، وحماس، خلقت المزيد من العقبات، التي تعمق الانقسام، وتمنح إسرائيل المزيد من الفرص، لإنجاح مخططاتها الخبيثة، التي من بينها تعميق الانقسام وتحويله إلى حالة انفصال كامل. نضيف إلى ذلك أن المناكفة والتوتر الذي يسود العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة، والأنظمة العربية، خصوصاً الفاعلة في الملف الفلسطيني. خلقت عقبات أخرى من غير الممكن تجاوزها. حركة حماس وجدت نفسها أمام خيار إجباري جعلها تقدم ما يلزم، لتحسين علاقاتها مع مصر، والتوقيع على تفاهمات تدعو للتفاؤل بإمكانية تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، فضلاً عن الانفتاح على الخليج العربي.
خيار حماس، وقراءتها لأبعاده جعلها، أيضاً، تلجأ إلى عدو الأمس، وتتوصل إلى تفاهمات مع فريق النائب دحلان، وبدا وكأن هذه التفاهمات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً وشرطياً ببعضها البعض.
تعرف حماس التي لا تثق بالرئيس وبحركة فتح، أنها لا تستطيع الاستجابة لمبادرات المصالحة، إن كانت ستؤدي إلى تعطيل علاقتها بالقاهرة، والأرجح أن يحصل ذلك، لأن مثل هذه الاستجابة غير مضمونة النتائج، ثم انها قد تقفل الطريق أمام إمكانية تحسين علاقات حماس المهمة جداً والضرورية مع القاهرة وما بعد القاهرة.
والحقيقة أن ما جرى خلال السنوات العشر على الانقسام، جعل أمر الانقسام والمصالحة لا يتوقف على فتح وحماس، فبالإضافة إلى ذلك، نحتاج إلى مصالحة فتحاوية، ومصالحة بين فتح وفصائل المنظمة، وبين الفصائل والمجتمع الفلسطيني، وبين الكل الفلسطيني والمجموعة العربية وفي مقدمتها مصر والأردن. ولذلك أعتقد أن تحقيق المصالحة بهذا المعنى الواسع، يتطلب العودة إلى القاهرة، إذ هي الآن المركز الأساسي الذي يملك القدرة على تقديم الخدمة للفلسطينيين سواء بالمعنى السياسي أو بما يتصل بالمصالحات الفلسطينية، والحصار المفروض على قطاع غزة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية