اعتدتُ في كل عامٍ أن أستقصيَ مقياس الجامعات العالمي، لمعرفة ترتيب الجامعات في العالم، وفقَ الأسس التالية: تأثير الجامعة وأبحاثها ودراساتها، على المستوى العالمي، آليات التدريس فيها، وكفاءة هيئة التدريس، وحصول الأساتذة على جوائز عالمية، ومساحة حرية الرأي، وإنتاج الابتكارات والعلوم الجديدة، واستقلال الجامعة المادي والمنهجي!
هناك مقياسان رئيسان للجامعات، مقياس شنغهاي، والثاني مقياس لندن.
ظلَّ مركز الصدارة في المقياسين لجامعة، هارفارد- معهد ماساشوستس- ستانفورد- كامبردج- اكسفورد- كاليفورنيا- برنستون- ييل- معهد كاليفورنيا- طوكيو- تزنغوا الصينية.
الجامعة (العربية) المذكورة في المقياس هي فقط، جامعة الملك فهد السعودية للبترول ترتيبها 401 من مجموع 500 جامعة!
لم تحرِّك مقاييسُ الجامعات منذ إنشائها روح الحَميَّة في عروقِ جامعاتنا العربية، فمعظمُ تلك الجامعات مهتمٌّ فقط في جذبِ المريدين والأتباع للجامعات، لغرض زيادة ميزانياتها وأرباحها التجارية، في مقابل منح الشهادات الورقية، المعتمدَة للوظائف الحكومية وغيرها!
ابتسمتُ، وأنا أحاولُ تصوُّرَ مقياسٍ عربيٍ للجامعات، فلو كان هناك مثلُ هذا المقياس لوُضع وفق الأسس التالية، أولا؛ عدد الطلاب الكمي في الجامعة، ثانيا: تبعية الجامعة للسلطات الحاكمة، وموازنتها الحكومية، ثالثا: إشراف الحزب الحاكم على إدارة الجامعة، وإقصاء الأساتذة غير المنتمين للحزب، رابعا: تفصيل المقررات الدراسية وفق الأيدلوجيات الفكرية السلفية للأحزاب المؤسسة، خامساً: عدد الطلاب الذين جرى تأطيرهم للحزب الحاكم...!!!
أضاء مقياس شنغهاي الضوءَ الأحمر في العام الماضي للجامعة العبرية الإسرائيلية في مادة الرياضيات، المُنتجة للإبداع التكنولوجي، فقد كان ترتيبها متدنيا ضمن مقياس خمسمائة جامعة، عام 2016 فجاء في المرتبة الحادية والخمسين، عدَّلت الجامعة ترتيبها عام 2017 لتصبح في المرتبة الحادية عشرة، وكذلك عدَّل معهد وايزمن ترتيبه المتدني في العام الماضي في مجال تقنية الكمبيوتر، ليصبح هذا العام في المرتبة العاشرة.
الجامعات في العالم ليستْ مراكز للتجارة وجني المال، بل هي بؤرُ إشعاعٍ لإنتاج النهضة الشاملة في كل قطاعات الحياة، وهي كذلك (مجسات) لتحديد مستقبل الأمم، ووضع الاستراتيجيات لمستقبلها، وهي أيضا مبضع جرَّاح، تتولى إجراء عمليات استئصال الأمراض المتفشية في مجتمعاتنا.
إن أفضل وسائل العلاج لكارثة تحويل الجامعات إلى مؤسسات تجارية ربحية فقط، هو وضع استراتيجية وطنية للتعليم الجامعي، لا تعتمد على القوالب الخطابية، والمتفجرات اللغوية، بل تعتمد على استشراف المستقبل، مستقبل الوطن، ويكون ذلك بتأسيس جامعات وفق مقاييس العالم المعتمدة للجامعات، فالمنافسة الشريفة هي الوسيلة الوحيدة للقضاء على الزوائد الدودية الجامعية، والنتوءات الأكاديمية العظمية المتفشية في بلاد العرب.
إن كلَّ مجتمعٍ يُحوِّل جامعاته إلى عباءات قبلية، وألقابٍ للمباهاة والزهو، ونياشين فخرية تُعلَّق على الصدور والرؤوس، مجتمعٌ مريض يحتاج إلى العلاج السريع.
لقطة سريعة للمهتمين فقط:
بلغ عددُ المؤسسات الأكاديمية هذا العام 2017 في(دولة غزة العظمى) ثلاثين مؤسسة ومعهداً جامعياً فقط لا غير!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية