33-TRIAL- رغم مضي نحو ثلاثة أسابيع على كلمة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتنياهو في الأمم المتحدة، ورغم أن تلك الكلمة كانت كلمته التاسعة في المحفل الدولي، ورغم أن الاهتمام بها من قبل الإعلام، بل وحتى الوسط السياسي الفلسطيني، كان محدوداً، إلا أن ذلك لا يقلل من حجم ما تكشفه تلك الكلمة _ بالذات _ عن طبيعة توجهات ونوايا الحكومة الإسرائيلية السياسية في المرحلة المقبلة، خاصة بعد حدثين صاخبين، قامت بهما تلك الحكومة، تجاه الجانب الفلسطيني، وهما : طي صفحة التفاوض، دون الاهتمام حتى بإشاعة الأجواء حول محاولة تجديده، احتواء لانفجار ميداني أو مواجهة ميدانية فلسطينية / إسرائيلية محتملة، في الضفة و القدس ، وشن الحرب على غزة ، ومن ثم وقف النار، دون اتفاق على هدنة من أي نوع، بما يضع كل الاحتمالات على سلم الممكن والمتوقع. 
رغم جرأة نتنياهو، بل ووقاحته، في التحدث عكس التيار العالمي بأسره، حول غزة، كذلك رغم إعلانه عدم توافق إسرائيل مع الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، التي تجند العالم في الحرب ضد "داعش" والجماعات الإسلامية المتشددة، من خلال القول بضرورة الإبقاء على الضغط ضد طهران، وان العالم الذي يشن حربا على "داعش" ويترك طهران، كمن يكسب معركة ويخسر الحرب، رغم كل هذا، إلا أن كلمة نتنياهو تضمنت _ برأينا _ متحولا، أو متغيرا سياسيا مهماً للغاية، جوهره، طي صفحة التعامل مع الملف السياسي الفلسطيني، على قاعدة وجود شريك فلسطيني، فهو دعا صراحة وعلنا، دول الاعتدال العربي : مصر، الأردن، الإمارات والسعودية إلى حوار مع إسرائيل دون الفلسطينيين، وعلى قاعدة المبادرة العربية _ كجر قدم طبعا _ لكن مع تعديلها لتصبح ملائمة ومتفاعلة مع ما حدث من تطورات خلال السنوات القليلة الأخيرة . 
وفي الحقيقة فإن الإسرائيليين، بدؤوا يقولون علنا، بأنه ليس هناك من نظام عربي يجبرهم على قبول إقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين التاريخية، ويأتي ذلك وفق تطور مفاده أن " سايكس / بيكو " لم يعد مقدسا، فإذا كانت دول مركزية في الشرق الأوسط تتفكك، مثل العراق، سورية، ليبيا واليمن، وتقام على أنقاض الدولة القطرية العربية " دول " طائفية / إثنية أو عرقية، فلم تقبل إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية، دون اخذ هذا المستجد بعين الاعتبار، ليس من ناحية أمنية فقط، ولكن من ناحية الثقافة السياسية أيضا ؟ ! 
بطي صفحة أوسلو والتفاوض مع الجانب الفلسطيني، وبعد أن تكرس اليمين الإسرائيلي في قيادة إسرائيل خلال العقود الأربعة الأخيرة، لابد من التذكير بأن فكرة إقامة دولة فلسطين خارج حدود فلسطين هي فكرة متأصلة لدى هذا اليمين، الذي كثيرا ما قال بأن الأردن هو دولة فلسطين، ثم ومنذ مؤتمر هرتزليا عام 2004 وتبني مؤسس المؤتمر عوزي أراد فكرة إقامة دولة فلسطين في سيناء، تواصل الحديث عن غزة الكبرى. وقد جاء ذلك كأحد دوافع فك ارتباط شارون بغزة من جانب واحد بعد ذلك بعام واحد فقط ! فكرة أراد تقوم على أساس تبادل ثلاثي للأراضي بين مصر وإسرائيل والفلسطينيين، فمقابل تنازل الفلسطينيين عن الضفة الغربية، مقابل أراض من سيناء، تتنازل إسرائيل عن أراض من النقب وبالتحديد عن ممر يصل مصر بالعقبة !
كثير من التسريبات بعد ذلك أشارت إلى تأييد أميركي للخطة، تمثل بممارسة الضغوط على الرئيس الأسبق حسني مبارك، منذ العام 2007 ل فتح معبر رفح ، ومنح الفلسطينيين حرية الإقامة سنة أو سنتين تكون خلالها قضية إقامة مخيمات للفلسطينيين في سيناء قد تمت. 
وحين وصل الأخوان المسلمون إلى الحكم في مصر عام 2012 بدأ الإسرائيليون الحديث عن أن سيناء لم تكن مصرية إلا بعد الحرب العالمية الأولى، أي في ظل الانتداب البريطاني، ويقال أيضا بان وفدا من الأخوان سافر لواشنطن، حيث عرض الأميركيون أن تتنازل مصر عن ثلث سيناء لغزة في مرحلتين خلال أربع إلى خمس سنوات، ووعد الأميركيون بإنشاء دولة فلسطينية في سيناء. 
كل من عاش الحرب الأولى على غزة عام 2008 / 2009 يذكر كيف كان الجنود الإسرائيليون يحثون المواطنين الفلسطينيين على الهرب جنوبا باتجاه سيناء، وكيف أنهم خلال العشر سنوات الماضية حرصوا على "الفصل" بين غزة والضفة، على كل المستويات، خاصة الاتصال والتواصل. ثم وأخيرا وخلال الحرب الأخيرة على غزة، عاد اليمين الإسرائيلي ليؤكد تمسكه بخطته، وعبر رئيس الكنيست موشية فيغلين، الذي دعا إلى طرد سكان غزة، تحت غطاء العملية العسكرية، إلى سيناء، وفق ما سماه حلا لغزة ! 
لا شك أن هذا المخطط الإسرائيلي، الذي بدأ تنفيذه منذ العام 2005، قد تلقى صفعة بسقوط نظام الأخوان في مصر، لكن _ بتقديرنا _ سيبقى هو، وعلى مدى سنوات قادمة المخطط الوحيد لدى الإسرائيليين، نظرا لتوافق الإسرائيليين داخليا ومع الأميركان عليه، وإذا كان الاعتماد على نظام الأخوان القوي، فان نظام السيسي قوي أيضا باستناده على المؤسسة العسكرية وعلى قاعدة التأييد الشعبي، ويمكن " اجبار " مصر على التعاطي مع هذه الخطة، من خلال التعامل مع حاجة مصر لإغلاق الثغرة الأمنية في سيناء، بإقامة حاجز _ دولة فلسطينية تحارب التطرف، كذلك من خلال تدعيم مشروع قناة السويس الثانية بإحياء فكرة المشاريع الثلاثية في منطقة العقبة _ إيلات _ شرم الشيخ. 
وإذا ما فتحت جبهة الحرب الطائفية في لبنان، وتدفق المهاجرون الفلسطينيون، فإن "توطينهم" في سيناء، خشية غرقهم في البحر، قد يكون بوابة الولوج الجدي لهذا المشروع، لذا فان المخاوف الفلسطينية بهذا الصدد جدية وحقيقية، وفقط يمكن للرفض الداخلي، من خلال الوحدة الداخلية، والتوافق على مشروع سياسي يرفض إقامة دولة فلسطين في غزة أو دونها، وحيث أن إسرائيل راهنت على حركة حماس في دفع الأمور بهذا الاتجاه فانه يتوجب على حماس بالذات أن تعلن عن رفضه، وان تتجنب الحديث ليل نهار عن غزة فقط، بل وان تتوقف عن رفع الشعارات الخاصة بغزة، من قبيل فك حصارها، وحصر المطالب الوطنية بها وحسب !
RAJAB22@HOTMAIL.COM 231

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد