في ظل التطور الدراماتيكي وفوز آفي غباي اليهودي المغربي بزعامة حزب العمل، الفوز يعتبر انقلاب ضد بقايا قيادات حزب العمل، وما وصل اليه الحزب من تدهور وتربع أحزاب اليمين الليكودي الاسرائيلي على الحلبة السياسية الاسرائيلية وسيطرتها على الحكومة خلال السنوات الثمانية الماضية، وستستمر لسنوات قادمة.

 

وفي نظرة سريعة للأحزاب التي تتشكل منها الحكومة وتشارك في قيادة اسرائيل، هي احزاب زعماءها في الأصل ليكوديين تربوا في الليكود. أفيغدور ليبرمان وزير الأمن الحالي هو في الأساس ليكودي، وكان مديراً عاماً لحزب الليكود، في سنة 1996، وشغل منصب مديراً عاماً لديوان رئاسة الوزراء في حكومة نتنياهو في حينه.

ونفتالي بينت ليكودي كان مدير مكتب نتنياهو في العام 2006، ومدير حملة نتنياهو في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود في ذلك الوقت وتمكن نتنياهو من تحقيق الفوز. وموشي كحلون رئيس حزب كلنا ليكودي انشق عن الليكود لخلافات مع نتنياهو، وغباي هو شريك كحلون وتولى منصب وزير في حكومة نتنياهو واستقال احتجاجا على تولي ليبرمان وزارة الامن خلفا لموشي يعلون الليكودي المتطرف والذي يسعى لتشكيل حركة سياسية جديدة.

الانقلاب في حزب العمل هو امتداد لسنوات الانقلاب التاريخي الذي حصل في اسرائيل في نهاية سبعينيات القرن الماضي بعد ان تربع حزب العمل على قيادة اسرائيل لأكثر من 35 عاماً، بعد ان تمكن الليكود من تغيير الخارطة السياسية في اسرائيل ومن ذلك التاريخ لم يتمكن العمل من العودة للحكم بالشكل الذي كان عليه سابقا. حزب العمل مؤسس الدولة فشل ونخبه التي يطلق عليها زورا انها يسارية الى العودة الى المشهد السياسي كما كان في السابق.

خلال السنوات الماضية يعزي بعض الباحثين الاسرائيليين سبب تدهور حزب العمل بتولي ايهود باراك زعامة الحزب، وشكل ذلك سببا كبيرا في تراجع شعبية الحزب، وانه لا يتحمل المسؤولية فقط عن تراجع شعبية حزب العمل، بل عن تدهور وتراجع شعبية ما يسمى اليسار الإسرائيلي، وحزب العمل بصفته قائداً لـ “معسكر السلام” الإسرائيلي، الذي وقع زعيمه إسحاق رابين إتفاق أوسلو مع الفلسطينيين.

كما يتحمل باراك المسؤولية عن فقدان الجمهور الإسرائيلي الثقة بتحقيق تقدم في العملية السياسية بصفته صاحب مقولة لا شريك فلسطيني في عملية السلام، وتأثير ذلك على الجمهور الإسرائيلي وجنوحه نحو اليمين، وذلك على إثر فشل مفاوضات كامب ديفيد مع الفلسطينيين، واندلاع انتفاضة الأقصى.

حزب العمل عاني من تراجع كبير في شعبيته منذ إطاحة باراك من الحكومة في انتخابات العام 2001، فالحزب العريق غير نحو عشرة من زعماءه خلال السنوات الماضية ، وإعتزال عدد من زعماءه الحياة السياسية، وغادره رموز مخضرمين أمثال شمعون بيرز وحاييم رامون ودالية إتسك، وغيرهم.

فالحزب الذي حصل على 44 مقعدا في الكنيست في فترة رابين، والحزب المؤسس لما يسمى دولة اسرائيل، وكان الأكبر بين الأحزاب الإسرائيلية، أصبح يحصل على مقاعد لا تعبر عن تاريخه، ويعاني من أزمة تنظيمية وعقائدية حادة، فعقيدة رابين تخلى عنها الحزب برئاسة باراك، مستلهما عقيدة حزب الليكود وأحزاب يمينية أخرى.

وبدل من استلهام عقيدة رابين تراجعت شعبية الحزب، وبدلا من أن يكون حزب العمل في صفوف المعارضة لقيادة ما يسمى معسكر السلام وتشكيل بديلاً سياسياً للجمهور الإسرائيلي ولحكومة اليمين، وسار على نهجه الزعماء اللاحقين وحاولوا الانضمام لحكومات نتنياهو.

في حزب العمل لا يزالوا يعيشوا على أمجاد الماضي وعراقة الحزب، وعندما بدأ التغيير اختاروا زعيم جديد لم يمضي على وجوده في الحزب سنة وذو ميول يمنية.

ووصفت صحيفة “هآرتس”، غباي بـالأحجية الأيديولوجية، وإن عقيدته الاقتصادية الاجتماعية أيضاً ضبابية. وأنه من الناحية السياسية ما زال يحذر تجاوز المناطق المريحة المعروفة مثل حل الدولتين، وعملية سياسية، وتجميد الاستيطان خارج التكتلات الاستيطانية. وأضافت أن عليه أن يدرك أنه من أجل استبدال نتانياهو، لا بد من طرح خيار حقيقي، لا أن يرتدي خمسين لوناً مثل لبيد، بل عليه أن يطرح خياراً جوهرياً وبديلاً لعقيدة رئيس الحكومة الحالي. وقالت الصحيفة يتحتم على غباي أن يشرح للجمهور العام وجهة حزب العمل برئاسته، وأن يرسم الاتجاه الذي ينوي أن يعتمده ليقود دولة إسرائيل.

وبالأمس عندما اتصل الرئيس محمود عباس بغباي مهنئًا بفوزه برئاسة الحزب، غباي شكر الرئيس ودعاه الى لقاء نتنياهو وقال له السلام لا يصنع بلقاءات دولية أو بمؤتمرات إقليمية، وإنما يبدأ بخلق أجواء ثقة وتقارب بين الأشخاص من الجانبين، وطالبه بوقف التحريض في المناهج التعليمية.

هذا هو زعيم حزب العمل الاسرائيلي الذي يصنفه بعض المعلقين الاسرائيليين على انه يمني معتدل وفي ظل الانزياح الحاد نحو اليمين والتطرف في صفوف الجمهور الاسرائيلي هل سيبقى غباي محافظا على عقيدة حزب العمل ورئيسا لما يسمى معسكر السلام او ما تبقى من يسار فشل في الحفاظ على الحزب؟

غباي سينحو بحزب العمل المحسوب على اليسار زورا وبهتانا الى اليمين كي ينافس نتنياهو ولم يعد هناك فروق جوهرية في رؤية حزب العمل والليكود، وباقي الأحزاب اليمينية والجمهور اليهودي يزداد تطرف ويتجه نحو اليمين.

صحيح ان فوز غباي اربك الساحة السياسية الاسرائيلي خاصة بين احزاب اليمين والوسط بزعامة يائير لبيد، وليس لصالح ما يسمى بقايا معسكر السلام، غير انه من المبكر الحكم من ان غباي سيقود حزب العمل نحو المنافسة الكبيرة مع الليكود بزعامة نتنياهو، فأزمة حزب العمل بنيوية وعميقة ولم يحدد هويته السياسية كما ذكرت هآرتس. إضافة إلى ان هذا الارباك والقلق ناجم عن التنافس في اطار التوجه اليميني في إسرائيل، وان غباي اليميني الشرقي سوف يعتمد على أصوات اليهود الشرقيين، وهم بالأساس يزدادوا تطرفا ويتجهوا نحو اليمين أكثر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد