"التولينة" حلمُ الشهيد تُحققه زوجته باسم ابنته الوحيدة
غزة /خاص سوا/نور الإيمان الصفطاوي/ بعد مضي ثلاث سنوات على فقدانها زوجها، استفاقت الشابة هالة على عبق الذكريات والأحلام التي كانت تسيطر على أحاديثهما خلال فترتي الخطوبة والزواج.
المصورة الغزية هالة شحادة (24 عاما)، فقدّت زوجها بعد أشهر قليلة من دخولهما القفص الذهبي، إثر غارة إسرائيلية أودته شهيدًا خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
هالة لم تتمكن من مقاومة حاجتها للعزلة عن المجتمع عقب صدمة استشهاد زوجها، خاصة أنه أودع لها جنينًا من أثرِه في أحشائها الهزيلة، الأمر الذي زاد حرقتها؛ كون ابنتها فقدت حنان والدها مُبكرًا.
صراع الحلم والعزلة
ورغم الآلام التي تسكُن قلب الشابة التي كانت تعمل كمصورة صحفية، إلا أنها قررت الخروج من عزلتها، فافتتحت استيديو التصوير الذي كان يحلُم زوجها بتأسيسه قبيل استشهاده.
"لطالما حدثني زوجي بحلمه الكبير، بافتتاح استيديو خاص به بمواصفات غير تقليدية كما المنتشرة، لكن كان التمويل يقف عائقاً أمامنا لجعل حلمه حقيقة"، تقول هالة لـ"سوا".
وأطلقت هالة اسم "التولينة" على مشروعها الشخصي، تيمنًا باسم صغيرتها "تولين".
وتضيف : "بعد استشهاد خالد نسيت التصوير تماما، والكاميرا التي وثقت بها كافة تفاصيل خطوبتي، لم أرها ولم أبحث عنها، فقط جلست منعزلة في بيتي مع ابنتي، لا أعرف سوى البكاء والذكريات".
ورغم مضي سنوات ثلاث على رحيل زوجها، إلا أنها تذهب بين الحينة والأخرى إلى تلك الكاميرا؛ وتتصفح في لقطاتها، مستذكرة "أجمل اللحظات التي باتت جزءًا من الماضي".
مواجهة العالم
هالة لم تكتفِ بتحقيق حلِم زوجها فقط، بل خرجت لأحلامها المجُمدة منذ استشهاده، فعادت لإكمال دراستها الجامعية، قبل أن تنخرط من جديد في العمل الصحفي.
وفي إحدى المواقف التي واجهت هالة عقب عودتها لحياتها الطبيعية، تقول إن صديقةٍ لها دعتها لحضور وتصوير حفل زفافها، لكنها رفضت في بادئة الأمر؛ كونها لم تحضر أي حفل منذ استشهاد زوجها، لكنها وافقت أخيرًا "رفعا للإحراج".
آفاق جديدة
نشرت هالة إحدى الصور التي التقطتها لصديقتها العروس عبر صفحتها على "الفيسبوك"، وتفاجأت بحجم التفاعل الذي لاقته من متابعيها.
وعلى إثر ذلك –تقول هالة- : "الكثير من المتابعين طلبوا مني تصويرهم وعمل جلسات خاصة لهم، فقررت الخوض في التجربة، بعد اضطراب شعوري ما بين الخوف والسعادة حينها".
وتستذكر هالة قائلةً : "أول جلسة تصوير، وجدت نفسي منطلقة بروح أخرى على عكس ما توقعت، كنت أتأثر ايجابيا بروح الفرح التي تعكسها العروس، ووجدت تغييرا انعكس على نفسيتي، استثمرت وقتي بعدما كنت أقضي معظمه أستذكر خالد وأبكي".
صعوبات وتحديات
استمرت هالة في مشوارها بعمل جلسات تصوير خاصة، ودافعيتها أصبحت اكبر لافتتاح المكان الخاص بها للتصوير لتثبت للجميع ولنفسها أنها قادرة على تحقيق ما تسعى إليه، ولتعطي رسالة للعالم "كوني أصبحت زوجة شهيد ذلك ليس بنهاية العالم إنما هو بداية لمشوار جديد فتح لي طرق جديدة لم تخطر يوما ببالي".
وعن التحديات والصعوبات التي واجهتها تقول : "كنت دائما أحدث الناس عن حلمي بافتتاح الاستديو، وجدت من المحبطين الكثير والمثبطين أكثر، والتقليل من قدرتي على عمل شيء بسبب ابنتي الصغيرة وكلام الناس"، مستدركةً : "لكن في نفس الوقت كنت أجد من يدعمني".
وكما وقف رأس المال عائقًا أمام خالد، كاد أن يعاند هالة، لكنها وجدت من يمول مشروعها، بعدما أعلنت مؤسسة عن دعم لأصحاب المشاريع الصغيرة.
وتوضح أنها "قدمت طلباً، شرحت فيه فكرة مشروعها بالتفصيل، وترشحت للمقابلة من بين العشرات، قبل أن يتم قبولها بعد ذلك، وتتلقى تدريباً في إدارة المشاريع الصغيرة".
بداية الانطلاق
وعقب اجتيازها مرحلة التمويل، بدأت هالة في التحضير لافتتاح الاستيديو وشراء المعدات وتجهيز المكان وسط فرحةً عارمة تخيم على وجنتيها أثناء حديثها مع مراسلة "سوا".
وتقول : "كل جزء يكتمل، كانت تزيد فرحتي وأشعر أن خالد في كل زاوية معي، يراقبني ويشجعني ، إلى أن جاء اليوم الذي تسلمت فيه مفاتيح المكان جاهزا".
وتضيف : "أذكر يومها أني دخلت وضحكت ضحكة عالية وكأنها ضحكة الانتصار على كل الألم والوجع ، ضحكة العوض التي عوضني إياه الله بعد فقدي لخالد" .
"فرخ البط عوام"
أما عن"تولين" التي أكدت والدتها أنها "بدأت بإمساك الكاميرا وتقليدها وتطلب منها تصوريها"، مستطردةً : "فرخ البط عوام، تولين أيضا ستحترف التصوير مثل والدها ووالدتها".
وتضيف شحادة : "الاستديو كان بداية الأحلام، سأكمل مسيرتي لأصبح الأكثر شهرة في العالم إضافة إلى عملي كمذيعة في أكبر المؤسسات الإعلامية التي تحترم خصوصية الصحفي وتحفظ حقوقه وتحافظ على روحه".
ختامها فخر
وختمت هالة روايتها موجهةً كلماتها للمجتمع : "أنا فخورة بنفسي جدا، وما انتظرت يوما إعانة أو شفقة من أحد، إنما انتظرت التشجيع والثقة لإكمال مسيرتي بعيدا عن مسمي أرملة، وحصري في زاوية زوجة الشهيد والمعونات، اتركوني بعيدا عن مسمياتكم الغريبة، أنا لست عاجزة ،إنما قوية بما فيه الكفاية لأكمل مشواري وابنتي".
كما بعثت هالة برسالة لنظيراتها من زوجات الشهداء، وقالت فيها : "هذا ابتلاء من الله، اختارنا لنكون فيه لأنه وحده يعلم أننّا نختلف عن الأخريات، وقادرات على تجاوز هذه المحنة وتحويلها لمنحة، وتحدي نثبت به أنفسنا وقدرتنا على إكمال حياتنا كما نشاء نحن لا كما يشاء المجتمع، انهضن، ارفعن عن أنفسكن غبار الحزن والألم، هناك حياة بانتظارنا نكملها هنا، وحياة نكملها وأزواجنا في جنات النعيم بإذن الله".