ما كان أحد من المراقبين أو المحللين أو حتى المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي، في المنطقة العربية يتوقع أن يُحدث تداول السلطة المعتاد في واشنطن، كل هذا الانقلاب الذي انعكس رأساً على عقب، منذ الجولة الخارجية الأولى للرئيس الأميركي الجمهوري الذي تولى منصب رئيس الولايات المتحدة، بعد ولايتي الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما. 
باراك أوباما كان تولى منصب الرئيس الأميركي مطلع العام 2009 بمحاولة التقارب مع العالم الإسلامي، لترميم العلاقة التي تضررت بين الجانبين بعد حربي الولايات المتحدة ضد أفغانستان التي بدأتها عام 2001 والتي أعقبتها بحربها على العراق عام 2003، وذلك في عهد الرئيس الجمهوري الذي سبق أوباما وحكم أميركا ما بين عامي 2000_ 2008 وهو جورج بوش الابن.
لكن أحداً ما كان يعلم كيف سيعكس أوباما محاولة التقارب تلك، حيث ظن الجميع بمن فيهم أوباما نفسه _ ربما_ أن المدخل لذلك هو تشجيع ودعم حل عادل للقضية الفلسطينية، خاصة حين تحدث الرجل عن دولة ناقصة في المنطقة، لذا فإن ولايته الأولى شهدت مفاوضات حثيثة فلسطينية_إسرائيلية برعاية وزير خارجيته في تلك الولاية هيلاري كلينتون، لكن في ولايته الثانية، تفرغت إدارته أكثر لرعاية ملف «الربيع العربي». 
يبدو أن إدارة أوباما ظنت أنه يمكنها أن تحقق الإنجاز في هذا الملف، بعد أن أخفقت في ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، وفي الملف السوري، وملفات أخرى من بينها الأوكراني، وحتى الإيراني الذي لم ترض عنه الحكومة الإسرائيلية. 
على عكس أوباما تماماً، شن دونالد ترامب هجوماً كاسحاً على المسلمين في دعايته الانتخابية، وحتى دول الخليج العربي لم تسلم من «طولة لسانه» ولا القضية الفلسطينية، حيث قال: إن دول الخليج قائمة بفضل الحماية الأميركية وإنه يتوجب عليها أن تدفع المليارات مقابل ذلك، وأن تدفع فاتورة محاربة الإرهاب، وفي الموضوع الفلسطيني، قال: إنه سينقل سفارة بلاده إلى القدس ، وإنه ليس ضد الاستيطان، أي إنه بدا صديقاً جداً لإسرائيل، وإنه قادم وهو ي فتح النار على العالمين العربي والإسلامي.
لكن ثقافة «البزنس» التي تربى عليها ترامب _ فيما يبدو _ جعلته رئيساً يفعل عكس ما قال به مرشحاً رئاسياً، فقد جاءت جولته الأولى الخارجية، إلى الرياض تحديداً، وبدا أنه يسعى ليجعل من المحور العربي/الشرق أوسطي أحد حلفائه الأساسيين في المنطقة، وحتى أنه لم يتجاهل السلطة الفلسطينية، كما كانت تصريحاته وهو مرشح رئاسي توحي بذلك، بل اتصل بالرئيس محمود عباس ، ثم التقاه في البيت الأبيض و بيت لحم ، وضمن قادة القمة العربية/الإسلامية_الأميركية في الرياض.
ثم شكل ترامب أطقماً لإدارة المفاوضات، وبدأ يدرس بجدية هذا الملف، ما أنعش مجدداً الآمال لدى الجانب الفلسطيني في هذه الناحية، بعد أن أغلق وجود حكومة اليمين_اليمين المتطرف في إسرائيل كل الأبواب في وجهها، وبعد أن بدا واضحاً أن إسرائيل اليمينية تسعى لفرض حل أحادي، أو إقليمي، في أحسن الأحوال، ما يعني إهمال السلطة سياسياً، أو تحجيمها وتهميشها. 
وحيث إن الجميع يراقب العد التنازلي، فإنه من المتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة بدء التحضير للقاء قمة فلسطيني/إسرائيلي بالرعاية الأميركية؛ لإعلان بدء التفاوض مجدداً بين الجانبين، وحاولت السلطة أو سعت إلى رص الصف الداخلي، حيث إنه مقابل الانفراجة المبشرة التي ظهرت بالأفق الخارجي، ما زالت أبواب إنهاء الانقسام والمصالحة الداخلية مغلقة، خاصة بعد أن لجأت « حماس » إلى عدم الرد على مبادرة أمير قطر قبل بضعة أشهر. 
وفي محاولة من السلطة للضغط على «حماس» من أجل الأقدام على هذا الرد، حتى يترافق الذهاب للمفاوضات مع إغلاق الشق الداخلي لتعزيز موقع المفاوض الفلسطيني، إن كان ذلك من خلال خصم 30% من رواتب موظفي السلطة ب غزة ، أو الطلب من إسرائيل تخفيض حجم الوقود الذي تصدره لغزة من أجل محطة توليد الكهرباء، أو تحويلات العلاج بالخارج، جاءت إجراءات الرباعي العربي بمقاطعة قطر، لتزيد من الضغط على «حماس»، التي صارت بلا أي داعم خارجي، بعد محنة قطر. 
لذا كان متوقعاً ألا تجد «حماس» سوى منفذ الشرعية الفلسطينية وممر إنهاء الانقسام لتخرج من المأزق، لكنها فكرت في أمر آخر. فكرت للحظة في الزج بالجماهير الفلسطينية في غزة للتعبير أو لتنفيس غضبها ضد إسرائيل، بالذهاب إلى السياج الحدودي، ما يعني تسخين لملف المواجهة مع إسرائيل وتعريض غزة لحرب رابعة، كذلك بإعادة طرح ملف صفقة التبادل من خلال الحديث عن وجود أربعة أسرى إسرائيليين لديها.
ثم جاء ما لم يكن متوقعاً، حين أُعلن وجود تفاهمات بين جماعة محمد دحلان وقائد «حماس» في غزة يحيى السنوار. والحديث عن تفاهمات يعني أن مصر لم ترع «اتفاقاً» رسمياً، وأن تكون التفاهمات مع قائد «حماس» في غزة وليس مع مكتبها السياسي، يعني أن الحديث يجري عن إجراءات داخل القطاع لا علاقة لها بالمستوى الرسمي الداخلي أي بين «فتح» و»حماس» أو بين الضفة والقطاع، لكن ذلك كان من شأنه بأن يقدم خشبة الخلاص لـ»حماس» والتي تشددت في ردها، أمس، على الرئيس، ورفضت تراجعها عن التفاهمات مقابل تراجعه عن الإجراءات الأخيرة، ما يعني أن مثلث الشقاق الداخلي سيبقى نقطة ضعف الجانب الفلسطيني في مواجهة إسرائيل ميدانياً وتفاوضياً. 
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد