دراسة عبرية: لهذه الأسباب يجب إعادة السفير الإسرائيلي للقاهرة في أسرع وقت
القدس / سوا / دعا معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي لإعادة سفير تل أبيب لدى مصر في أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى أن هناك مصلحة إسرائيلية كبرى في عودة السفارة للعمل في القاهرة، نظرًا لما ينطوي عليه ذلك من أهمية بالغة لإسرائيل.
الدراسة التي أعدها الباحث في العلاقات الإسرائيلية العربية بجامعة تل أبيب الدكتور "أوفير وينتر"، تحت عنوان "إسرائيل والسفارة الخالية في القاهرة"، ونُشرت الأحد 2 يوليو، أحصت 5 فوائد رئيسية للسفارة الإسرائيلية بالقاهرة منها، بناء وترسيخ علاقات مع ممثلي المجتمع المدني في مصر، و"تكوين انطباع دون وساطات عن المزاج والرأي العام في مصر، الذي يمثل عنصرًا هامًا في تقدير الموقف العام المتبلور في إسرائيل حيال الاستقرار السياسي، والاقتصادي والأمني في بلد النيل".
كان التطبيع بين مصر وإسرائيل منذ بدايته محدودًا ومتحفظًا، لكن أيضًا في فترات الشدة والأزمة حرصت الدولتان على الحفاظ بشدة على أصول السلام بينهما وفي مقدمتها إقامة سفارات عاملة في تل أبيب والقاهرة.
ظلت السفارة المصرية فاعلة حتى بعد استدعاء مصر سفيرها للتشاور في القاهرة في 1982 و2000 و2012، كإشارة احتجاج ضد إسرائيل.
صحيح أن السفارة الإسرائيلية في القاهرة قلصت نشاطها بعد اقتحامها على يد متظاهرين في سبتمبر 2011، لكنها أبقت على وجودها في موقع السفارة الأمريكية، وبعد ذلك في مقر سكن سفير إسرائيل.
المرة الوحيدة التي انقطع فيها الوجود الإسرائيلي بالعاصمة المصرية كانت في أواخر 2016- وتحديدا في الفترة التي اعتبرها الكثيرون من أفضل الفترات في تاريخ العلاقات بين الدولتين- عندما أُعيد السفير الإسرائيلي وطاقمه لإسرائيل على خلفية تحذيرات أمني.
منذ ذلك الوقت تمر الشهور ويصبح الوضع المؤقت دائما، فيما يحاول الطرفان إيجاد الصيغة التي تسمح للوفد الإسرائيلي باستئناف عمله وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين لطبيعتها.
وجهة النظر المصرية
منظومة العلاقات السائدة بين إسرائيل ومصر في عهد السيسي قريبة لكنها ضيقة. وفقا لتقارير صحفية، تتمييز بالاتصال الحميم بين زعماء الدولتين، ومع ذلك تتركز تحديدا في التنسيق الأمني حول التحديات المشتركة في سيناء وقطاع غزة .
تجري العلاقات الأمنية بشكل مباشر بين الدولتين، وبناء على ذلك فإن غياب السفارة لم يسبب لهم ضررا كبيرا. ورغم أن مصر لا تعارض إعادة السفير للقاهرة، فإن الوضع الذي تجري عليه الأمور خلال السبعة شهور الماضية حوى فوائد لها. فقد رفع عنها العبء الأمني المرتبط بتأمين السفارة، وجنب النظام الانتقادات التقليدية لمعارضة التطبيع حول "رفرفة العلم الإسرائيلي بالعاصمة المصرية".
رأت مصر على مدار السنين في التطبيع عبء أكثر منه ثروة، لكن ورغم التزام الدولتين فيمعاهدة السلام بشكل واضح بتطوير "علاقات ودية وتعاون"، (في المقدمة)، وإطلاق "علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية" (في الملحق 3، البند 1). فقد نُظر لعمل السفارة في القاهرة كـ"شر لابد منه"، فُرض على المصريين، ودائما ما يحاول النظام المصري تقييد خطواتها.
وضع السفارة الإسرائيلية المثير للجدل بين المؤسسة والجمهور في مصر عبرت عنه معالجة كوميدية في فيلم "السفارة في العمارة"، بمشاركة عادل إمام، الذي عُرض في دور السينما في 2005 وحقق نجاحا كبيرا.
البطل الكوميدي، الذي يملك شقة في العمارة الكائنة بها السفارة الإسرائيلية، وجد نفسه وسط اضطرابات سياسية حول الدعوة لإغلاقها وتحول إلى بطل قومي رغما عنه.
وبالفعل كان العمل في السفارة الإسرائيلية بالقاهرة دائما مهمة معقدة. على سبيل المثال، طلب السفير الأول، إلياهو بن إليسار أن ينشر في صحيفة "الأهرام" إعلانا مدفوع الأجر عن ساعات عمل القنصلية الإسرائيلية، لكن الصحيفة رفضت نشره.
السفير الثاني، موشيه ساسون، واجه مقاطعة وعزلة، ولم يشارك أي مندوب رسمي من الحكومة المصرية في حفل الاستقبال الذي نظمه في السفارة بمناسبة ذكرى الاستقلال الأربعين لدولة إسرائيل (نكبة فلسطين 1948- المترجم).
اشتكى إفرايم دويك السفير الرابع أمام وزارة الخارجية المصرية حول "الإجراءات الأمنية"، المشددة المفروضة حول السفارة بعدف التقليل من عدد زوارها وجعل الحياة مستحيلة بالنسبة لسكان الشارع.
لم يكن الموقف المصري من السفير الحالي، الدكتور ديفيد جوفرين، الذي تولى منصبه في أغسطس 2016 مختلفا. أبدى ملحق خاص لصحيفة "الأهرام" الحكومية نشر في 24 أغسطس 2016 استياءه من محاولات جوفرين "الخروج من الجيتو الذي اعتاد عليه سفراء إسرائيل في مصر"، واتهمه بـ"تجاوز الخطوط الحمراء والخروج عن الأعراف الدبلوماسية".
ووفقا للملحق فإن "تجاوزات" السفير تضمنت لقاء مع قادة الجالية اليهودية بالإسكندرية (وخلال اللقاء، بحسب الادعاءات، اقترح المساعدة في ترميم المعبد بالمدينة)، ومشاهدة عرض "ألف ليلة وليلة" في المسرح القومي بالقاهرة (اشترى للعرض تذكرة كمشاهد عادي)، والمحادثات التي أجراها مع رجال أعمال ونشطاء المجتمع المدني (التقوه بإرادتهم الحرة). المزاعم بشأن تلك "التجاوزات" وغيرها توقفت منذ عودة السفير الإسرائيلي لبلاده.
في نفس الوقت، فإن النشر على نطاق واسع لعودة السفير الإسرائيلي لإسرائيل اعتُبر في مصر كمساس بصورتها كدولة قادرة على مواجهة التهديدات الإرهابية وضمان أمن الوفود الأجنبية المختلفة على أراضيها.
جنبا إلى جنب، تنضم الأزمة مع إسرائيل في مسألة السفارة لأصوات خيبة الأمل التي ترددت في مصر في أعقاب عدم استجابة إسرائيل لجهودها لاستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين، بعد اجتماعات القمة السرية التي عقدها السيسي مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ، وفي وقت لاحق بينه وبين رئيس المعسكر الصهيوني إسحاق هارتسوج، في العقبة والقاهرة، في فبراير وأبريل 2016.
في المقال الذي نشرته "الأهرام" في 1 أبريل 2017، أعرب الدكتور أحمد فؤاد أنور، الخبير في الشئون الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية عن استيائه من خرق التعهدات التي قطعها نتنياهو أمام الرئيس المصري لتشكيل حكومة "حمائم" مناصرة للسلام". وعلى حد قوله، توقعت مصر من رئيس الحكومة الإسرائيلي العمل على ضم "اليسار الإسرائيلي" للائتلاف الحاكم، لكنها حصلت من نتنياهو- الذي ضم للحكومته "المزيد من متطرفي اليمين"- على العكس تماما.
في مقال آخر، نُشر في 29 أبريل، أضاف أنور أن "العلاقات المصرية- الإسرائيلية لم تشهد توترا كبيرا كهذا منذ التوقيع على اتفاقية فك الاشتباك الأولى في 18 يناير 1974”. من غير المستبعد، أن تكون هذه الأجواء المشحونة قد تجلت في التعامل المصري مع المطالب التي طرحتها إسرائيل حول المسائل الأمنية المرتبطة باستئناف عمل السفارة.
أهمية السفارة لإسرائيل
لكن، مسئولية توقف عمل السفارة الإسرائيلية في القاهرة لا يمكن إلقاؤها على مصر وحدها. على إسرائيل بذل قصارى جهدها لإيجاد صيغة توازن بين متطلباتها الأمنية واعتباراتها السياسية. كانت إقامة أول سفارة في قلب العالم العربي وما زالت واحدة من أهم الإنجازات التي منحتها معاهدة السلام مع مصر لإسرائيل.
ليس معقولا أن تسلم إسرائيل بإدامة الوضع الراهن وتكتفي بعلاقات سياسية- أمنية، تُجرى عبر قنوات مباشرة بين مكتب رئيس الحكومة والدفاع في إسرائيل ونظرائهم في القاهرة، مع تقليص دور وزارة الخارجية في منظومة العلاقات بين الدول.
هذا النهج يتيح لمصر وحدها التمتع بالمزايا الكامنة في سفارة ناشطة بتل أبيب، بينما تتنازل إسرائيل حتى عن فتات التطبيع القليلة التي مُنحت لها في الماضي.
عمليا، ليس لإسرائيل بديل عن سفير إسرائيلي ووفد إسرائيلي في أهم عاصمة عربية. هذا مهم لإسرائيل من عدة جهات: أولا، دفع العلاقات والتعاون الإسرائيلي- المصري خارج المجال الأمني، مثلا مع الهيئات الحكومية المدنية والاقتصادية.
إن سفارة ناشطة على الأراضي المصرية يمكنها دفع مصالح متبادلة في مجالات كالطاقة، والمياه والزراعة والسياحة والتجارة. كما يتوقع أن تلعب دورا حيويا حال انطلاق عملية سياسية بمشاركة القاهرة.
ثانيا، بناء وترسيخ علاقات مع ممثلي المجتمع المدني في مصر. ثالثا، تكوين انطباع دون وساطات عن المزاج والرأي العام في مصر، الذي يمثل عنصرا هاما في تقدير الموقف العام المتبلور في إسرائيل حيال الاستقرار السياسي، والاقتصادي والأمني في بلد النيل.
رابعا، إبداء رؤية إسرائيلية مادية ورمزية في العاصمة المصرية. خامسا، نقل رسائل للرأي العام المصري وتحسين صورة إسرائيل داخله. بالنسبة للنقطة الأخيرة، للسفارة دور رئيسي في البيئة التي مازالت النظرة السائدة لإسرائيل فيها مشبعة بالمؤامرات والشيطنة.
تحظى النشاطات التي يجريها السفير وطاقمه بتغطية واسعة في الإعلام المصري في عصر مواقع الأخبار الإلكترونية وشبكات التواصل، ما يمكن من خلاله تفنيد الآراء القديمة، وأنسنة "الآخر" الإسرائيلي ودفع الاندماج الإسرائيلي في المنطقة.
اليوم تحديدا، وفيما تحيي مصر وإسرائيل ذكرى مرور 40 عاما على زيارة السادات للقدس، من المرغوب فيه أن تعود الدولتان للتصديق على الأساسيات التي تحددت في معاهدة كامب ديفيد، وجرى ترسيخها بعد ذلك في معاهدة السلام.
يتعين على إسرائيل الحرص على أن تُحترم بنود المعاهدة بين الدولتين حرفيا، مع تطبيق مبادئ التعامل بالمثل والمساواة. إقامة علاقات "طبيعية وودية" (البند 1)، والاعتراف "بالمصلحة المتبادلة في علاقات جيرة طيبة" (البند 5)، ليست فقط توصيات قُطعت انطلاقا من مصالح مشتركة أو حسن نوايا، بل التزام تعاقدي يتحمله الطرفين في إطار معاهدة السلام.
عودة السفير الإسرائيلي للقاهرة في أسرع وقت ممكن هي شرط أساسي وضروري للحفاظ على إطار هذه العلاقات وتنميته.