فجر الجمعة ارتكبت قوات الاحتلال جريمةً أُخرى بإزالة نصب الشهيد خالد نزال من وسط مدينة جنين، بعد حملة دعائية عدوانية ضد الشهيد.
التحريض الإسرائيلي ضد نصب نزال جاء في سياق متكامل لحرف الأنظار عن القضايا الأساسية في الصراع مع الاحتلال، حيث قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي شخصياً الحملة الدعائية ضد الرموز الأساسية عند الفلسطينيين ومن ضمن ذلك الأسرى والشهداء.
حكومة المستوطنين الإسرائيلية وخلال الأشهر الماضية جعلت من قضايا الشهداء والأسرى أساساً من أجل تغيير مفاهيم اللعبة، وخاصة في الزمن "الترامبي".
أول ما بدأت به هو قضية الأسرى ورواتبهم، مدعية أن السلطة الفلسطينية تشجع الإرهاب والإرهابيين من خلال دعم عائلاتهم، وأثارت هذه القضية على المستويات الدولية، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث وجدت آذاناً صاغية من قبل بعض القادة الغربيين، دون أن يكون هناك اطلاع على حقيقة الوضع.
قضية رواتب الأسرى لم تكن وليدة الأشهر الماضية أو السنوات الماضية، ولكن هذه القضية بأبعادها الإنسانية كانت من أولويات منظمة التحرير في الحفاظ على عائلات الأسرى، ولم يكن هناك أي إثارة لهذه القضية سابقاً أو لاحقاً ولا حتى في عهد حكومات الليكود التي ترأسها، أيضاً، نتنياهو.
السلطة الفلسطينية في ظل الضغوط الكبيرة، غيرت وزارة الأسرى إلى هيئة شؤون الأسرى ولم تعد جزءاً من الحكومة، ولكن دون تغيير أساسيات الدعم لعائلات الأسرى الفلسطينيين.
بعد ذلك جاءت قضية الشهداء الفلسطينيين. وأثار نتنياهو الملف وكأن شيئاً خطيراً وقع على مسيرة السلام التي دمرها استيطانُه وعدوانُه المتكرر على الشعب الفلسطيني ولم تعد قائمة، وأيضاً لجأ إلى عرّابيهِ في واشنطن. في الجولة الأخيرة لمبعوثي الرئيس الأميركي دونالد ترامب فوجئ الفلسطينيون أن أول ما طُرح هو هذه القضية رواتب الشهداء والأسرى، حيث توترت الأجواء.. وبذلك نجح نتنياهو في تقزيم الدور الأميركي الذي يجب أن يكون وسيطاً نزيهاً لحل صراع دام حوالى سبعة قرون، لا أن يلتهي في قضايا ثانوية إشكالية، ليس الهدف منها سوى إضاعة وقت الأميركيين، والدوران في حلقة مفرغة.
إذا كان الأمر كذلك فكيف تفسر حكومة الاحتلال الرواتب التي كانت تدفعها وما زالت لعائلات إرهابيين يهود قتلة لُطِّخت أيديهم بدماء عشرات الشهداء الفلسطينيين. هل مثلاً قطعت الحكومة الإسرائيلية مخصصات التأمين الوطني عن عائلات الإرهابيين اليهود؟! ألم تغير سلطات الاحتلال أسماء الشوارع والطرقات والحارات في كثير من الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وخاصة البلدة القديمة من القدس والبلدة القديمة من الخليل إلى أسماء إسرائيليين قتلوا فلسطينيين؟! وكيف نفسر وجود عشرات النصب التذكارية لمستوطنين احتلوا الأرض وعاثوا فيها فساداً على الكثير من مفترقات الطرق الفلسطينية.
القضية ليست رواتب الأسرى أو الشهداء ولا إزالة نصب لرموز المقاومة الفلسطينية التي ضمنتها القوانين الدولية، ولكن الأساس هو أن حكومة اليمين الاستيطانية تعلم مدى الضعف الذي وصلنا إليه، وعدم قدرتنا على المواجهة، وحتى بأقل ما يمكن بالكلمة.
الاحتلال يستغل انقسامنا وضعفنا وما تمر به المنطقة من أحداث جسام، لكي يقول لنا بوضوح إن القضية لم تعد الأرض وما عليها. ولكن بمحاولة محو الذاكرة الوطنية، والقبول بمبدأ الخنوع للقوة وللإرهاب العسكري.
ربما كثير من الفلسطينيين من جيل الشباب أو الفتية لو سألتهم قبل عدة أسابيع عن الشهيد خالد نزال، لما استطاعوا الإجابة. ولكن جريمة الاحتلال (أمس) أحيت الشهيد من جديد، وأصبح اسمُه يتردد على ألسنة معظم الفلسطينيين. وأكثر ما يؤكد ذلك هو متابعة الإعلام الاجتماعي ومُحرِّكات البحث الإلكترونية لتجد أن الشهيد نزال عاد بقوة إلى الواجهة الفلسطينية.
abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد