يبدو أن شعبوية الرئيس الأميركي، وتهوّره، ومزاجيته، تفرض حضورها، لدى الكثير من المسؤولين الأجانب والعرب، الذين يسايرون هذه الطبيعة عند الرئيس الأميركي، أو أنهم يفهمون مقاصده، فيتطوع كل من موقعه لخدمة هذا الرئيس الجامح. حتى المسؤولين في إسرائيل، لا يجرؤون على توجيه الانتقاد له، أو توبيخه وتوجيه الإهانات كما كانوا يفعلون مع الرئيس السابق باراك أوباما. التعامل الإسرائيلي مع الرئيس الأميركي الأسود، كان ينطوي على قدر من العنصرية، ولكن ذلك كان مجدياً إلى حد بعيد، حيث فرض على رئيس الدولة الأقوى في العالم، أن يفكر في كل مرة، في كيفية تحديد خطواته المتراجعة ودائماً إلى حد التطابق مع السياسات الإسرائيلية. لا مشكلة لإسرائيل مع رئيس أبيض، وجمهوري، ولا يضيع لحظة، في سبيل تحقيق انقلاب كلي على سلفه أوباما، وربما حد الانتقام. ولا تشكو إسرائيل من عمق انحياز طواقم البيت الأبيض، والإدارة، بل إن بعض الشخصيات المهمة والفاعلة هم من يهود أميركا، ولديهم تاريخ من الولاء لإسرائيل وخدمة سياساتهم ومصالحها. ومع كل ذلك ينتقي المسؤولون الإسرائيليون كلا منهم بحذر عند الحديث عن ترامب، ورغباته، ومواقفه، وتوجيهاته، أو نصائحه. نعرف أن إسرائيل لا ترغب ولا تجد نفسها مضطرة للتعامل مع مبادرات جديدة لتحقيق السلام لا على أساس رؤية الدولتين، ولا أي مبادرة تستجيب للتطلعات الوطنية للفلسطينيين، وعلى الرغم من ذلك فإن نتنياهو وحكومته يناورون من خلال زيادة الضغوط والشروط على الطرف الفلسطيني حتى يجرده من كل ما يملك، ويكفره بكل أنواع وبضائع السلام. بعد كل الشروط المتواترة التي تطرحها إسرائيل مباشرة، قبل أن تصبح شروطاً أميركية، يعود بعض وزرائها النافذين للحديث عن غياب الشريك الفلسطيني. مرة أخرى يتم توظيف الانقسام للنيل من التمثيل والهُويّة والكرامة الفلسطينية، أسطوانة ليست جديدة، ولكنها في ضوء كثافة وتعدد الشروط والاستحقاقات، وفي ضوء تسارع التطورات في الإقليم، فإن هذه الأسطوانة، لم تعد بلا معنى أو تأثير، خصوصاً لدى إدارة أميركية رئيسها هواوي ومزاجي، وسريع التأثر بمن يحب، وهو بالتأكيد لا يحب الفلسطينيين. منذ قمة الرياض، وإعلان الرئيس ترامب حركة « حماس » كجماعة إرهابية، لم تتوقف إسرائيل، عن التطبيل والتزمير لتحريض المجتمع الدولي، وربما انتزاع موقف من عرب الرياض ومسلميها بضرورة وضع «حماس» على قائمة الإرهاب. المزيد من التناقضات والمزيد من الصراعات، التي تقوي الخصم، وتضعف الحليف، وفي الأخير فإن إسرائيل لا تتحامل على الفلسطينيين، فها هي الولايات المتحدة وبعض العرب يصنفون «حماس» ومن على شاكلتها كجماعات إرهابية.
وبالمناسبة لا ينسى الفلسطينيون أن الولايات المتحدة وأوروبا كانت تتعامل مع «حماس» كجماعة إرهابية، قبل أن يصل ترامب إلى البيت الأبيض، غير أن الفارق واضح بين ما كان وما هو عليه الحال اليوم، إذ إن ترامب يده طويلة وطرشة كما يقولون، وربما لا يتورع عن أن يعض أصحابه. وموضوع التحريض على «حماس» وجماعات المقاومة لم يعد موضوعاً نظرياً، أو استخدامياً فقط، ذلك أن الأمر أخذ طابع الملف الذي يحتاج إلى موقف من قبل مجلس الأمن الدولي.
المبعوث الأممي لعملية السلام السيد ملادينوف، ركز في تقريره أمام مجلس الأمن على مسألتين أساسيتين، وهما إن «حماس» تحرض على الإرهاب وإن إسرائيل تمعن في تحدي القرارات الدولية الخاصة بالاستيطان.
أما وكيلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأمم المتحدة، السيدة هايلي فإنها متطوعة بالباع والذراع، للدفاع عن إسرائيل في كل ما تفعل وحتى لو أنها وهي حقيقة ترتكب جرائم حرب. هايلي تريد أن تنتزع من مجلس الأمن قراراً بتوصيف حركة «حماس» والتعامل معها كجماعة إرهابية. كما حال الجماعات التي يحاربها المجتمع الدولي في سورية والعراق. في معادلة ملادينوف، تشطب الولايات المتحدة عملياً ما يتعلق بإسرائيل، ويبقى الجزء المتعلق بـ»حماس» والفلسطينيين.
بصراحة قمة الظلم والوقاحة في قلب الحقائق والمعايير، حين يتحول المجرم إلى مدع أو شاهد، وأحياناً حاكم أو قاض، ويتحول الضحية إلى مجرم يستحق الملاحقة والعقاب، ولا يستحق قراءة الفاتحة على روحه. الأمر بالنسبة للفلسطينيين كارثي، ولا يجوز أن يخضع لحسابات الانقسام، والرغبة في الانتقام أو إضعاف الآخر، فمن يضع أمامه كل عناصر المشهد بتفاصيله سيخلص إلى أن إسرائيل وحلفاءها وأعوانها، يعملون على نسف الرواية الفلسطينية من أساسها. إذا كان سبب أو ذريعة تصنيف «حماس» على أنها إرهاب، لا تعود لكونها فرعاً للإخوان المسلمين، فإن المسألة تتعلق بتبني برنامج المقاومة المسلحة، والمعروف أن «حماس» ليست الفصيل الوحيد الذي يتبنى هذا البرنامج، وبالإضافة فإن الضغط الإسرائيلي الأميركي على السلطة للتوقف عن دفع مخصصات الأسرى والشهداء، ينطوي على حكم ظالم على تاريخ النضال الوطني الفلسطيني. كيف يمكن للشعب الفلسطيني ولشعوب الأمة العربية، أن تتنكر للتضحيات التي قدمها ويقدمها الشهداء والأسرى والجرحى، وأن تحيل دماء وعذابات الفلسطينيين إلى تهم يستحقون عليها العقاب؟ هذا الملف يحتاج إلى معالجة وطنية شاملة، فالتداعيات لا تتوقف على «حماس»، أو غيرها، ولا يمكن اعتبارها جزءاً من السياسات الانتقامية، كل ضد الآخر على خلفية الانقسام، هذه التداعيات تصل إلى جذور القضية والرواية الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد