ليس لأحد، مواطناً كان أم جماعة أم فصيلاً، أن يحتفل بمرور عشر سنوات على وقوع الانقلاب الحمساوي الذي أدى إلى انقسام يكسر ظهر الشعب الفلسطيني. العشرية الأولى على الانقسام مرت قبل أيام قليلة، بدون أي تفاؤل بأن لا تحتاج الأمور إلى عشرية أخرى، فلقد تعود الشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور، أن تحصل الكوارث والنكبات التي يتعرض لها، على يوبيلات فضية وذهبية وبرونزية.
قبل وقوع الانقسام، كان شارون قد أخلى المستوطنات والجيش من قطاع غزة ، وهو الذي كان قبل ذلك صرح بأن أمن تل أبيب من أمن "نتساريم". جوابه على الهدف من وراء ذلك، كان أنه سيعمل على صدام بين الإسلاميين ومنظمة التحرير، وفوضى عارمة في القطاع حتى يتأكد العالم من أن الفلسطينيين ليسوا مؤهلين ولا يستحقون الحق في تقرير مصيرهم بأنفسهم.
لم تكن تلك نبوءة، وإنما ترجمة لمخططات مبكرة، اشتغلت عليها الحكومات والأحزاب والقيادات الإسرائيلية، ومنذ ذلك الوقت يتطوع الفلسطينيون بخدمة تلك المخططات التي لا تتوقف عليها اللعنات من كل الأطراف. ومنذ ذلك الوقت أيضاً، لا ينتبه الفلسطينيون إلى قصة "حق تقرير المصير"، وطبيعة التجربة التي يترتب عليهم بناؤها حتى يصبحوا في نظر مجتمعات ودول العالم، مؤهلين ويستحقون تقرير مصيرهم بأنفسهم.
يبدو للمواطن العادي أن السلطات في الضفة وغزة، تسعى وراء رضا بعض الأطراف على نوع التجربة التي يخوضها كل طرف، أما رضا هذه الأطراف الخارجية، فإنه ينطلق في الأساس من معيار، مدى رضا إسرائيل عن دور الفلسطينيين في حماية أمنها، والاستجابة لمتطلبات الأمن الإسرائيلي. يفترض ذلك حكماً أن يكون أمن الفلسطيني ورضاه ضحية لحساب الأمن الإسرائيلي، وإلاّ فإن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، سيقول إنه لا يوجد شريك فلسطيني في عملية السلام، وهو وغيره من المسؤولين سيقولون كل الوقت إن السلطة و"فتح" و" حماس " والجبهات والمؤسسات كلها تحرض على الإرهاب ضد إسرائيل المسالمة، الآمنة التي تقع ضحية للإرهاب.
لماذا على السلطات الفلسطينية أن تشتري براءة ذمة من تهمة الإرهاب، ممارسته أو التحريض عليه، وهي حركة تحرر وطني تكافح ضد احتلال غريب عجيب؟ بالمناسبة الاحتلال مثله مثل الزوجة الفاجرة، فإن قدمت لها كلمة طيبة أرادت طرف الإصبع، ثمن الإصبع، ثمن الأصابع فاليد كلها إلى الذراع. المقصود من بوسعه وكيف تلبية شروط وطلبات إسرائيل، حتى يكون بريئاً طاهراً، أبيض كالثلج، وجاهزاً لأن يكون شريكاً لدولة عنصرية محتلة في عملية سلام؟
إذا وضعنا جانبا قصة المقاومة المسلحة بما هي عليه من شروط فإن مشاركة الفلسطينيين في الإرهاب العالمي تقترب من الصفر وسيكون على إسرائيل أن تجتهد كثيراً، وبدون طائل حتى تقنع المواطن الألماني، والفرنسي والإنجليزي، أن ثمة فلسطينيين يتربصون به، ويستهدفون حياته أو ممتلكاته وبالرغم من ذلك تقدم إسرائيل قائمة بقضايا، تندرج من وجهة نظرهم في خطاب التحريض على الإرهاب.
لن تنتهي الطلبات والشروط الإسرائيلية، ولكن يجب أن تنتهي وتتوقف تماماً وكلياً، استجابة الفلسطينيين، لهذه الطلبات والشروط أو بعضها، وبالتوازي نقل اهتمام السلطات في الضفة وغزة، إلى رعاية أمن المواطن وحريته، وحقه في حياة كريمة، حتى يقوى على الصمود.
غزة خاضعة تماماً لحصار مشدد، ظالم، تزيده تشدداً، وألماً الخطوات والإجراءات التي اتخذها وبصدد اتخاذها الرئيس محمود عباس والسلطة، لإرغام "حماس" على إعادة القطاع إلى حضن السلطة الشرعية. ولكن في غزة والضفة يعاني الناس من محدودية الحريات الفردية والعامة، إلى الحدّ الذي يضرب فعلياً نظرية حق تقرير المصير، حين لا يهتم تقرير المصير بعناصر البناء الداخلي لتحقيق الأهلية، فإنه يتحول إلى سوط يجلد الضحايا لضمان طلبات وشروط الآخرين بما في ذلك الأعداء. لا أفهم بالمطلق لماذا يقدم النائب العام، على حجب مواقع إعلامية، إلاّ على أنه موقف عقابي، وهو جماعي بالمناسبة، وعلى أنه رفض وقمع للرأي المخالف ورفض الحوار، وضربة قوية للديمقراطية التي يدعي الكل الحرص عليها.
المفروض أن النائب العام، أو أن من حوله من المساعدين من سينصحه بأن إجراء الحجب، لن يؤثر على المواقع المستهدفة، ذلك أن عالم التكنولوجيا يوفر إمكانية وصول وتعميم الخبر أي خبر، في لحظات. ألا يعرف الناس أن المواقع الإلكترونية لـ"داعش"، تستطيع نقل أخبارها إلى كل مكان مع أن "داعش" كلها ممنوعة، ومراقبة، وتتعرض لحرب شرسة؟.
مناخ قمع الآخر، وتقليص مساحة الحريات الفردية والجماعية، وتوسيع وتعميق دور السلطة التنفيذية في غياب الرقابة الشعبية والبرلمانية، وإضعاف دور المؤسسة القضائية، هذا المناخ، هو الذي يحدد جواب المواطن عن سؤال حق تقرير المصير، وفي المقابل تستمر الأجهزة الأمنية بين الحين والآخر باستدعاء وتهديد بعض المُغرّدين على شبكة التواصل الاجتماعي واحتجاز بعضهم لأيام، مع كثير من الإهانة والحطّ بالكرامة هذا فضلاً عن انتشار عمليات الخطف، وجرائم القتل، والانتحار. يسأل المواطن الفلسطيني العادي، عمّا إذا كانت هذه النماذج للسلطة في غزة والضفة، تصلح في إقناع مواطنيها على القتال والتضحية من أجل القضية والمشروع الوطني والهُويّة الفلسطينية. أيها القادة الروّاد، شعبكم يبحث عن الخلاص الفردي وأنتم المسؤولون عن ذلك، وشعبكم يُخيّركم بين أن تكون معه، أو أن تتركوا الأمانة لمن يستطيع حملها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية