الأزمة بين قطر وشقيقاتها الخليجيات بالإضافة إلى مصر، تمضي نحو ما يمكن اعتباره قدراً، يفيض عن قدرة العرب على السيطرة عليها وإخماد نيرانها. بعد مضي سبع سنوات على ما يعرف بثورة الياسمين في تونس التي افتتحت مرحلة تاريخية صعبة في حياة الأمة العربية، تستهدف تمزيقها وتجفيف مواردها، لا يزال الوعي العربي، قاصرا عن إدراك أسباب الانفجار العظيم، والأطراف التي استغلت الأحوال العربية، أو بادرت إلى دفع العرب نحو الصراع، وفق مخططات جهنمية محكمة، بعد توافق سياسي بين دول الخليج خلال المرحلة السابقة من الصراع، كان عنوانها، إسقاط ما تعتبره أنظمة دكتاتورية أو غير صالحة، عاد الخلاف ليدب بين أطراف الجبهة الواحدة، بين من يتابع تلك السياسة، وبين من قرر التحول نحو مواجهة الإرهاب، والخطر الذي تمثله إيران وحلفاؤها.
الجماعة العربية، أخذت تستشعر خطر وصول الإرهاب إلى بلدانها فضلاً عن خطر التمدد الإيراني، الذي يحرز المزيد من النفوذ والانتصارات في الحوض العربي. انقلبت الأولويات، فلم تعد إسرائيل بالنسبة للعرب الخطر الذي يهدد بالتوسع، الأمة العربية، ذلك أن الشعور بالخطر على الدولة الوطنية راهناً، طغى على الخطر المستقبلي الذي تمثله إسرائيل. لا تدرك الجماعة العربية حتى الآن أن عدوها الأساسي، والذي يحرك، كل عوامل الخطر، هو الولايات المتحدة وإسرائيل. الولايات المتحدة في زمن باراك أوباما، هي التي حركت نظرية الفوضى الخلاقة وبنت مراهناتها على جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي كان واضحاً في موقفها إزاء التطورات التي شهدتها مصر.
الآن، ولاية الرئيس ترامب، انقلبت على السياسة السابقة، حيث يشكل عداؤها للإخوان المسلمين، مدخلاً، لمعاودة تفعيل دورها في المنطقة من خلال افتتاح صراعات جديدة غير الصراعات التقليدية في سورية والعراق وليبيا واليمن، فالخير بالنسبة لها يقع هناك في حوض النفط والغاز العربي.
يصر الرئيس ترامب على أن يفرض خاوة على الدول التي تحتاج إلى الحماية الأميركية، وأن يملأ الخزائن الأميركية، وينشط الصناعة على حساب الحلفاء التقليديين من أوروبا إلى المنطقة العربية.
من الواضح أن ترامب لم يكتف بالصفقة التاريخية التي حققها خلال زيارته للرياض، سواء في مجال السياسة أو في مجال المال والأعمال، فهذه بالنسبة له مجرد البداية لاستنزاف المزيد من الموارد حتى إفقار من يحوزون عليها. في خضم الأزمة بين قطر وشقيقاتها العربيات والتي امتدت لتشمل دولاً عربية وغير عربية أخرى، يدعو الرئيس الأميركي قطر إلى الالتزام بوقف تمويل الإرهاب، ولكنه في الجانب المقابل، يوافق على صفقة بيع اثنتين وسبعين طائرة مقاتلة من نوع «اف 15» لقطر. تصمت الإدارة الأميركية إزاء دور تركيا، التي تصطف إلى جانب قطر، وتبدي استعداداً لتحدي المجموعة العربية، كما أنها تصمت إزاء العلاقة بين قطر وإيران. ثمة رغبة في توسيع دائرة الصراع، وإدامته لأطول فترة ممكنة، ففي ذلك، فرصة للولايات المتحدة لإضعاف الجميع. الحلفاء، والأعداء، وفرصة لتوريد المزيد من صفقات السلاح، للأطراف المتحاربة.
غريب الوضع الذي ينشأ في الإقليم، فتركيا السنية، التي بذلت جهوداً كبيرة لتعزيز العلاقات مع السعودية ودول الخليج، والتي تحارب النظام السوري حليف إيران، تعود وتلتف لتجد نفسها على نفس الخط، الذي يرسمه لها ولإيران، النظام القطري.
يبدو أن سورية كميدان لصراع الإرادات المتفقة والمتعادية لم يعد يكفي، لاختبارات القوة، والإرادات والمصالح السياسية، فكان لا بد من افتتاح ميادين أخرى.
وزير الخارجية الألماني زيغمار جابرييل يقول: إن الأزمة بين قطر ودول عربية أخرى قد تقود إلى حرب ما لم يتم نزع فتيلها ويتحدث عن فظاظة في التعامل المتبادل. من حق المواطن العربي أن يتساءل عن أسباب ودوافع هذا العناد الذي تبديه قطر، إزاء متطلبات التوافق مع جاراتها وهي التي وقعت معهم على وثيقة تفاهمات بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أين تكمن مصلحة قطر في الاستمرار برعاية ودعم جماعة الإخوان المسلمين، أو في الاقتراب من إيران، التي تتناقض معها حد الصراع في سورية. وما هي مصادر القوة التي تحوز عليها قطر لكي تخوض هذا التحدي الصعب، غير المتكافئ مع مجموعة الدول العربية. لا يمكن لقطر أن تركن إلى الموقف الأميركي أو تحتمي بالقواعد العسكرية الأميركية الرابضة على أراضيها. وقطر تعرف أنه لا يمكنها أن تركن إلى الحليف التركي، أو إلى إيران لحمايتها من غضبة أشقائها العرب. وفي هذه الحالة، أيضاً، فإن إسرائيل ستقف مكتوفة الأيدي، ترقص طرباً، لانقسام العرب، وتقاتلهم مع بعضهم البعض. التساؤل حقيقي وكبير، ويدعو إلى التفكير في الوظيفة التي تؤديها قطر. وبصراحة الكل خاسر من استمرار هذا الصراع، وأشد خطورة إذا وقع الانفجار، ذلك أن النيران الحارقة ستدخل إلى كل دولة والرابح دائماً هو الولايات المتحدة وإسرائيل، إسرائيل تحصل على المكافأة، من دون أن تتكبد أي خسارة، فيما تكتفي، باللعب من تحت الطاولة. التاريخ يستعيد بعض مفاصله، ليؤشر إلى الخطأ بل الخطيئة. سبق أن تساءلنا عن أسباب تجاهل النظام السوري، لتكتيك إدارة فرص الصراع نحو إسرائيل التي تحتل أرضاً سورية الأمر الذي لو أنه حصل منذ البداية لاختلف الحال، ولما كانت سورية دفعت كل هذا الثمن الذي دفعته وتدفعه اليوم.
يبدو أن الوقت قد فات على العرب لكي يدركوا أن معركتهم الأساسية، هي مع إسرائيل التي تطمع في الأرض والثروات العربية، ولم تسقط من حساباتها استراتيجية «من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل».
يخسر العرب، وتخسر القضية الفلسطينية، والفلسطينيون جراء الانسياق وراء أولويات، ساهموا في خلقها، أو تم استدراجهم إليها، لا تكون فيها القضية الفلسطينية على رأس هذه الأولويات. إن كان العرب قد فعلوا ذلك بأنفسهم، فليس على الفلسطينيين أن يفعلوا ذلك بأنفسهم وبقضيتهم وحيث لم يعد ثمة خيارات، ولا إمكانية للمراهنة على تحولات، تعيد إليهم ولقضيتهم بعض الأهمية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية