إذا صحّت الأخبار التي تتحدث عن الشروط التي طُرحت على قطر للعودة عن الإجراءات التي أعلنتها دول مجلس التعاون الثلاث بالإضافة إلى مصر وبعض البلدان الأخرى ـ وقد يكون الحبل ما زال على الجرّار، وهي شروط محددة وملموسة و"قاسية" بحيث ـ كما يقال ـ إنها لم تبق للدولة القطرية أية هوامش للمناورة والمداورة، وهي مطلوبة للتقيد التام والتنفيذ المباشر، وهي ليست موضع مساومة أو مفاوضة... وإذا كانت دولة قطر بكل "جبروتها" المالي، وكل ما كوّنته لنفسها من "هالة" سياسية وشبكة معقدة من العلاقات والتحالفات أعطت لنفسها فرصة للتفكير والتمحيص بهذه الشروط إلى الدرجة التي امتنع معها أمير قطر من توجيه كلمة عبر وسائل الإعلام للرد على تلك الإجراءات بطلب وإلحاح من أمير الكويت، فإن على حركة حماس أن تراجع نفسها وتستخلص العبرة.
كل ما نتمناه هو أن تتحلى حركة حماس بشجاعة المراجعة وتنظيم التراجع، لأن في ذلك خدمة كبيرة للقضية الوطنية، وقد يكون زلزال الخليج فرصة نادرة توفر لحماس المدخل والغطاء والمبرر.
معروف أن قطر قبل هذا الزلزال كانت قد قيّمت الوضع، بل وكانت قد تراجعت تكتيكياً إثر سقوط نظام الإخوان في مصر، ولكنها بدلاً من رؤية الواقع الجديد الذي أعقب هزيمة الإخوان في مصر وتونس وفي بلدان أخرى كثيرة عادت إلى دورها السابق، متوهمة أن الدولة المصرية تتضعضع، وان جماعة سيناء لديهم القدرة على "الصمود"، وان الساحة الليبية ما زالت قاعدة خلفية قوية، وان تركيا قد "انهت" معارضة غولن وأحكمت سيطرتها على البلاد. كما توهمت قطر أن طهران كلاعب رئيسي في كامل منطقة الإقليم يمكن أن تحميها حتى بعد نجاح الرئيس ترامب، بل وتوهمت أن اللعب بالورقة الإيرانية سيجعل منها (أي من قطر) رقماً صعباً باعتبار أن دول مجلس التعاون الخليجي ستعمل على استرضائها بدلاً من مواجهتها، بل وربما تكون دولة قطر قد وصلت بها الأوهام أن الإدارة الأميركية نفسها ليس أمامها من خيارات سوى مهادنة قطر لكي لا تحدث أية تصدعات من شأنها الإضرار باستراتيجية ومكافحة الإرهاب، والتصدي لإيران في هذا الإطار.
وأغلب الظن، أيضاً، أن قطر اعتقدت أن الأمور لن تخرج عن مناشدات وتمنيات، خصوصاً وأن المملكة العربية السعودية منشغلة في حرب شرسة مع الحوثيين، كما أن مملكة البحرين لديها مشكلات كبيرة مع معارضة طابعها الأساسي طائفي المظهر وإيرانيّ الدعم والإسناد.
أوهام كهذه وأوهام أخرى كثيرة قد تكون قادت قطر إلى المرحلة التي وصلت إليها أو أوصلت نفسها إليها، لكن المؤكد الآن أن قطر أصبحت في وضع لا تُحسد عليه، وهي في الواقع كالذي بلع المنجل، فلا هي قادرة على ابتلاعه، ولا هي قادرة على إخراجه.
إذا أمعنت قطر في سياسة اللعب "بالورقة" الإيرانية وحسمت أمرها بهذا الاتجاه فهي تغامر في كل شيء بما في ذلك بقاء النظام نفسه، أما إذا راجعت وتراجعت وأعادت إدراج نفسها في المنظومة العربية عموماً والخليجية خصوصاً، فإن الفرصة ما زالت قائمة والإمكانية ما زالت متوفرة، وخيرٌ لبلد مثل قطر أن يلملم الأمور ويعيد حساباته ويحسم ويُحسن اختياراته.
وإذا ما تحقق ذلك نكون قد ربحنا وحدة الموقف العربي، ونكون قد ربحنا قطر بلداً فاعلاً في محيطه الخليجي ومحيطه العربي والإسلامي، ونكون قد وفرنا على دول الإقليم العربي الكثير من المتاعب وعلى قطر ذاتها المزيد من الخسارات. يكاد نفس المنطق ونفس السياق أن ينطبق على حركة حماس.
بل أكاد أقول إن الأمر ينطبق على حركة حماس أكثر من أي طرف آخر، فهامش المناورة لدى الحركة هو ضيق جداً، والذهاب بالاتجاه الإيراني مكلف جداً، وسيكون فوق طاقة حركة حماس على الاحتمال، والحصار عليها سيصبح مشرعاً ومشروعا ليس من قبل السلطة الشرعية وإنما من معظم دول الإقليم العربي، وهامش المناورة مع مصر سيتبخر بالكامل، وسيكون لدى اليمين الإسرائيلي أرضية واسعة لمزيد من حصار القطاع بل وربما شنّ الحروب عليه.
أما المصيبة إذا فكرت حماس بالهروب إلى الأمام عبر افتعال حرب جديدة مع إسرائيل، فقد يؤدي ذلك بل سيؤدي حتماً إلى ارتكاب مجازر كبيرة ضد أهلنا في القطاع أفظع من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في الحروب الثلاث الماضية.
بات اسم حركة حماس مطروحاً بكل صراحة وبدون مواربة، وهناك على ما يبدو موقف عربي حاسم وحازم لمصلحة الشرعية الفلسطينية، بل ويمكن القول إن السياسة الجديدة التي أعلنها الرئيس ضد حركة حماس مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة ليست معزولة عن الرؤى العربية، بل وربما ومن المرجح أن تكون منسّقة مع المحيط العربي.
بهذا المعنى وبكل هذه المعاني فإن لدى حركة حماس الفرصة الكافية للمراجعة والتراجع، وسيكون مرحبا بهذه المراجعة وهذا التراجع عربياً ودولياً وقبل كل شيء وطنياً.
إذا راجعت حركة حماس وتراجعت فإننا كلنا وبدون استثناء سنكون من الكاسبين والفائزين وسيسجل لهذه الحركة مثل هذا الأمر إذا أحسنت الاختيار وغادرت ساحة اللعب بالنار.
تدرك حركة حماس أنها لم تعد تمتلك أي غطاء، لا على المستوى الداخلي ولا على مستوى الواقع العربي والإقليمي، وهي لم تمتلك مثل هذا الغطاء على المستوى الدولي في أي يوم من الأيام.
وتدرك حركة حماس (أو من المفروض أن تدرك أو باتت تدرك الآن) أن قطر وتركيا في وضع التراجع والدفاع، بل ويمكن القول بصراحة متناهية إن هذا المحور يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو ليس مؤهلاً لا للتمرّد ولا هو قادر على قلب أي طاولة من أي نوع كان.
خيرٌ لحماس وخير لفلسطين أن تملك حماس شجاعة الإقدام على الخيار الصحيح بدلاً من الإحجام عن تحمل المسؤولية والاستنكاف عن المساهمة في وحدة الموقف الوطني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية