بدأت ملامح سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتضح معالمها أكثر ، حيث باتت تُتَرجَم بوضوح على أنها ترتكز على خبرته الكبيرة في عالم المال والأعمال وخبرة مستشاريه في عالم السياسة .

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو بأنه كرجل ذو خبرة كبيرة في مجال الأعمال، بات يدرك جيداً بأن هناك تحالفاً دولياً غير معلن ، ضد سياسات إدارته التي باتت تنفذ سياسة واضحة وصارمة فيما يتعلق برؤيتها اتجاه مصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي على ما يبدو بأنها ترتكز على اعتماد سياسة تحقيق المكاسب المنفردة لبلاده نهجاً وتطبيقا لمبادئ مدرسة التزاوج ما بين عالم المال وعالم السياسة التي تتلاءم مع متطلبات العلاقات الدولية في المرحلة القادمة.

 لذلك فهو يمضي بقوة غير آبهاً بالتحديات التي تواجهه ، فيتخذ قرارات صادمة وصارمة وحازمة لتنفيذ وعوداته التي قدمها خلال حملته الانتخابية وأهمها فيما يتعلق بشعار "أمريكا أولاً" ، وهذا بات واضحاً من خلال عقد صفقات غير مسبوقة بمئات المليارات من الدولارات مع المملكة العربية السعودية وغيرها، وكنت قد تحدثت سابقاً عن تصوري لمفهوم هذا الشعار في مقال يحمل عنوان " "أميركا أولاً" ،  شعارٌ لم يكن غائباً من قبل!".

كما أنه كان واضحاً عندما فاجأ حلفائه من الدول الغربية وذلك من خلال توقيعه على قرار انسحاب بلاده من اتفاقية باريس حول المناخ Paris climate agreement   وطالب بالتفاوض حولها من جديد بما يتلاءم مع مصالح بلاده من خلال تخفيض الحصة المالية التي تدفعها الولايات المتحدة الأمريكية التي تشمل دعم الأبحاث العلمية حول هذا  الموضوع.

هذا أثار تحفظات الكثير من دول العالم،  الأعضاء في هذه الاتفاقية ، منها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا  ، حيث  أعربت الدول الثلاث في بيان مشترك عن "الأسف" لخروج الولايات المتحدة من اتفاق المناخ وقالت بأنه أمر "غير قابل للتفاوض" برأيها.

 كما أن  المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وجدت بأنه بات من الضروري أن تبدأ أوروبا بالاعتماد على نفسها ، كما أنها تعهدت بأن يكون هناك "عملا حاسما أكثر من أي وقت مضى حول المناخ" ، وذلك في تعبير واضح عن القلق الناجم عن حالة عدم الإنسجام مع السياسة الأمريكية الجديدة التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب.

كما عبر الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون عن خيبة أمله من القرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية ودعا الباحثين الأمريكيين في مجال التغير المناخي إلى القدوم إلى العاصمة الفرنسية باريس واعداً بأنه سيقدم لهم كل الدعم وكل التسهيلات للمضي قدماً في هذا المجال، مؤكداً بذلك بأن اتفاقية باريس حول المناخ ستبقى قائمةً وقيد التنفيذ من أجل حماية كوكب الأرض بالرغم من الانسحاب الأمريكي منها.

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو عبر أيضاً عن خيبة أمله من القرار الأمريكي معبراً  خلال اتصال مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبة كندا في العمل على صعيد الدول من أجل مكافحة الإحترار المناخي.

كما عبرت الأمم المتحدة عن خيبة أمل كبيرة وذلك على لسان المتحدث ستيفان دوجاريك الذي قال  أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "يثق بان المدن والولايات والشركات الأميركية ستتواصل مع الدول الأخرى، للعمل من أجل نمو اقتصادي دائم وبانبعاثات ضعيفة من الكربون مع ضمان وظائف وأسواق عالمية قوية، وبالتالي ضمان الازدهار في القرن الحادي والعشرين".

ولا يختلف موقف الاتحاد الأوروبي عن موقف الأمم المتحدة ومعها موقف الصين الذين أكدوا من خلاله تعهدهم بالاستمرار في تنفيذ اتفاقية باريس.

كما أن هولندا والدنمارك والهند والبرازيل والأرجنتين وأستراليا ونيوزيلندا وبلجيكا وبريطانيا اتخذوا نفس الموقف المعبر عن خيبة الأمل بهذا القرار، وعبروا عن إصرارهم على المضي قدماُ في تنفيذ هذه الاتفاقية.

من جهة أخرى  خالف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعوده الانتخابية فيما يتعلق بقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ، وذلك بتوقعيه قراراً ينص على تأجيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وذلك إلى ستة أشهر أخرى استكمالا لنهج  اعتمدته جميع الإدارات الأمريكية السابقة ، وهذا تسبب بخيبة أمل كبيرة لدى الجانب الإسرائيلي الذي يسعى للحصول على الشرعية لعملية التوسع  الاستيطاني التي يقوم بها على حساب أراضي الجانب الفلسطيني الذي قابل هذا القرار الأمريكي بارتياح كبير ، علماً بأن هذه الخطوة جاءت في سياق متطلبات مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وتطبيقاً لشعار "أمريكا أولاً"  أيضاً ، وهذا يحمل دلالة عن هناك حالة وعي سياسي لدى الإدارة الأمريكية تصاحب الخبرة الكبيرة في مجال الأعمال لرئيسها.

السؤال هنا  هو،  هل سيبقى الموقف الدولي متماسكاً أمام النهج الأمريكي الجديد ؟، أم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استطاع بالفعل بعقلية رجل الأعمال الناجح  أن يحقق مكاسب سريعة، وبالتالي بدأ يفرض رؤيته حول مفهوم الشراكة كما يريدها هو وإدارته وليس كما رسمها  غيره مع باقي دول العالم؟!

وكما نوهت في مقال سابق :"أن الرئيس دونالد ترامب عرف كيف يوازن بالضبط في اختياراته لأعضاء إدارته وكأنه يقول بأنه يمسك العصا والجزرة في آن واحد ، وذلك بما يتلاءم مع سياسته الموعودة التي يبدو بأن العالم لم يتعود عليها من قبل، خاصة بأنها نابعة من فكرٍ مستقل لرجل غير تقليدي جاء من خارج الحقل السياسي ليقتحم بفكره هذا،  عالم السياسة بإصرار وعزيمة وقوة وإيمان بما يقوم به، ولكن مع مرور الأيام والبدء بالتنفيذ الفعلي لسياسة إدارته، ستتفهم دول العالم توجهاته وستتعاطى معها كل دولة في إطار مصالحها المتبادلة مع هذه الدولة العظمى".

"كما أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن  الرئيس دونالد ترامب هو رجل أعمال  ناجح حقق نجاحات هائلة في عالم التجارة والمال وله آليات فكرية خاصة به ، وبالتالي من باب المنطق ستكون أولوياته هي تحقيق مصالح بلاده كما يراها هو، على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية،  كونه كان في موقع يمثل حالة نجاح ، وهذا حقه وأمر طبيعي جداً" ، ولكن المحاذير تكمن في تَقَبُل دول العالم لهذا النهج الجديد أم لا؟!، حيث أن بعض المراقبين يعتقدون بأنه بذلك يرتكب أخطاء جسيمة وكأنه يطلق النار على قدمه.

أخيراً في تقديري أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتمتع بدهاءٍ هائل وهو رجل عملي وتهمه النتائج  بغض النظر عن توافق الآخرين معها أم لا ، لذلك  فهو يسعى لتثبيت أقدامه على الساحة الدولية وفرض نهجه بقوة  القرار حتى لو كان ذلك  من خلال خلط الأوراق لإشغال العالم بقرارات صادمة وحاسمة وغير متوقعة، وبالتالي خلق حالة من الإرباك التي لا يمكن لأحد ممن اعتادوا على السياسة التقليدية أن يقرأ المستقبل كيف سيكون في ظل النهج القائم الذي على ما يبدو يعتمد حالة تزاوج بين عالم المال وعالم السياسة ،  مما سيضطر الجميع في النهاية للتعاطي مع سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كما هي كأمر واقع تصدر عن رئيس أعظم دولة في العالم خاصة أنه رجل يتمتع بمصداقية القول المقرون بالفعل في سياق ما تتطلبه مصالح بلاده أولاً!.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد