من حق و مما يدخل في الشأن الداخلي للمملكة السعودية أن تستقبل الرئيس الأمريكي ترامب بحفاوة كبيرة ،وأن تُغدق عليه ما تشاء من الهدايا وتوقِع معه ما تشاء من الاتفاقيات والصفقات الاقتصادية والأمنية ،فهذه من أمور السيادة ،والمملكة العربية السعودية حرة بمالها وأدرى بمصالحها . ونتفهم أيضا أن تتوافق الرياض ودول عربية وإسلامية أخرى مع إدارة ترامب على إدانة إرهاب الجماعات الإسلاموية المتطرفة ،نتفهم ذلك لأن تنظيم داعش والجماعات الإسلاموية المتطرفة المتولدة عنها وعن تنظيم القاعدة شكلت بالفعل خطرا مدمرا ليس فقط على المملكة السعودية بل كانت سببا في الخراب والحرب المدمرة في سوريا واليمن وليبيا والعراق ولم تنج منها دولا أخرى كمصر وتونس والجزائر والصومال وأفغانستان وباكستان الخ .
أيضا من حق المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى أن تتخوف مما تراه أو تعتقده أنه خطر قائم عليها من إيران ،سواء من جهة إثارة النعرات المذهبية أو من جهة تهديدها وخرقها لسيادة هذه الدول أو من جهة دعمها لجماعات ودول تناصب العداء للعربية السعودية ودول أخرى .وانطلاقا من هذه الرؤية لإيران فمن حق السعودية أن توقع اتفاقيات أمنية وتعقد صفقات عسكرية مع واشنطن لتحصين نفسها ومواجهة ما تعتبره خطرا عليها .
لكن ،حتى مع افتراض وجود توافق بين المجتمعين على إدانة الجماعات الإسلاموية المتطرفة والإرهابية ، وعلى التحذير من الخطر الإيراني ، فليست واشنطن هي الطرف المنقذ والمُخلص للعرب والمسلمين من هذه الأخطار ، فواشنطن لا يعنيها إلا مصالحها وهي ليست بعيدة عن صناعة أو تضخيم هذين الخطرين ، فكيف ستكون الداء والدواء في نفس الوقت ! . الخطاب المتشدد للرئيس الامريكي ترامب تجاه الارهاب وإيران لا يعني أن واشنطن ستخوض حربا ضدهما لحماية الأنظمة الخليجية ،بل ما تسعى له إدارة ترامب هو مواصلة سياسة الفوضى البناءة ولكن بطريقتها الخاصة وستعمل على توسيع جغرافيتها لتشمل إيران ودول الخليج وعلى رأسها السعودية لتبتز الطرفين .
قد نتفق على إدانة وضرورة مواجهة الجماعات الإرهابية لأنها إرهابية بالفعل ولأنها لا تنتمي لدولة بعينها ولأنها مشبوهة في نشأتها وأهدافها ، ولكن يجب التوقف والحذر فيما يتعلق بوصف إيران وحزب الله وحركة حماس بأنها إرهابية وتشكيل حلف لمحاربتها.
واشنطن وكما قال ترامب نفسه لن تحارب نيابة عن العربية السعودية وعن السنّة العرب ،كما لن تشارك في هذه المواجهة الدول الغربية وغالبية دول العالم ،مما سيُدخل المنطقة في دوامة الحرب المفتوحة والتي قد تجري حتى داخل أراضي السعودية ودول الخليج ،وستكون الطامة أكبر فيما لو أصبحت إسرائيل جزءا من هذا الحلف العسكري كما تسعى واشنطن .
نعم ،هناك ما يُقلق من سياسة إيران وممارساتها ،وقد يكون لها أطماع في الخليج ودوله ، ولكن من غير المقبول التركيز على ما تمثله إيران من خطر ووصفها بالإرهاب وتجاهل دولة الإرهاب الأولى في المنطقة وهي إسرائيل التي تحتل بالفعل فلسطين وفي قلبها القدس الشريف بالإضافة إلى أراضي عربية أخرى ، وللأسف لا أحد من المجتمعين تحدث عن الإرهاب الصهيوني وضرورة إدانته ،حتى القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل وهو جوهر وأساس الصراع في المنطقة تم تجاهله أو المرور عليه مرور الكرام كقضية ثانوية ،ليس فقط من طرف ترامب بل وفي كلمات الزعماء العرب والمسلمين الذين تحدثوا في القمة ، حتى كلمة عبد الله ملك الاردن الإيجابية لم تغير من المناخ العام في القمة .
إلا أن أكثر ما يثير الغضب وما يمثل إهانة لكل عربي ومسلم أن يُدرِج الرئيس ترامب في خطابه أمام القادة العرب والمسلمين حركة حماس ضمن الجماعات الإرهابية دون أن يُعقب أو يحتج أي مسئول عربي أو إسلامي .فكيف تصبح دولة إسرائيل التي تحتل فلسطين وتمارس كل أشكال العنف والاستيطان والتمييز العنصري بحق الفلسطينيين والمُدانة من منظمات دولية بانتهاكها للقانون الدولي ،كيف تصبح هذه الدولة شريكا وحليفا بينما من يقاوم الاحتلال ويطالب بحقوقه المشروعة إرهابيا ؟! .
بالرغم من اختلافنا السياسي والأيديولوجي مع حركة حماس ، إلا أننا نرفض إدانة حماس بالإرهاب ، لأن المقصود من هذه الإدانة ليس حركة حماس بذاتها بل إدانة النضال الفلسطيني وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ،والصمت على وصف حركة حماس بالحركة الإرهابية سي فتح الطريق أمام وصف كل من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي بأنه إرهابي .
ومن جهة أخرى فإن إدراج حركة حماس في قائمة الجماعات الإرهابية وصمت المجتمعين في الرياض على ذلك لا يخدم إلا إسرائيل وقد يكون الأمر رشوة وإغراء لإسرائيل ،حيث لا أساس موضوعي لوصف حماس بالإرهاب ما دامت الحركة لا تمارس ولم تمارس أي عمل إرهابي أو عنيف خارج حدود فلسطين المحتلة .
Ibrahemibrach1@gmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية